نجاعة إدارة المتاح والممكن في محنة استيعاب الكارثة!!
قسيم دحدل
قد يكون الامتحان والاختبار الأصعب والأقسى الذي تتعرّض له سورية بفعل الزلزال الذي ضربها قبل أمس، خاصة وأنها جاءت إثر كارثة الحرب الإرهابية ذات الأعوام العشر والمتزامنة منذ حوالي ثلاث سنوات مع حرب اقتصادية ومالية نقدية أشدّ فتكاً قياساً بإمكانيات بلد كسورية، وإن كنا استخدمنا مصطلح امتحان واختبار في غير وقتهما المناسب، نظراً لأن الامتحان والاختبار يتطلبان استعداداً وتحضيراً وأدوات وإجراءات، إلا أن استخدامنا هذا ينبع من قدرة الشعب السوري: قيادة ودولة وكلّ مكوناتها، على التحدي والمواجهة، حيث أثبت أنه يستطيع في تجربة الصمود خلال العشرة أعوام المنصرمة في حربه ضد الإرهاب الذي فتك بكلّ شيء.
اليوم وقد وقعت الواقعة، الكارثة، فالمعوّل عليه أولاً وبعد الانتهاء من امتصاص الصدمة وهول الحدث، إثبات حسن إدارتنا للأزمة رغم ما فيها من تحديات مركبة، لئلا نقع بما يُسمّى “كارثة إدارة الكارثة”.
فمن منطلق موضوعي ومنطقي ليس المطلوب أعمالاً “سوبرمانية” خارقة، وإن كانت الكارثة تحتاج لذلك نظراً لهول ما خلّفت، إلاَّ أن المراهنة على التوظيف الفائق الدقة، يجب أن تنصبّ على استثمار الحدّ الأقصى من المتاح والممكن إنقاذياً وإغاثياً، وهنا يكمن الامتحان والاختبار في تحديد أولويات استيعاب الكارثة والتخفيف من آثارها والعمل على الوصول لنتائج إيجابية تتناسب والإمكانيات الموجودة والتي توفرت لغاية الآن داخلياً وخارجياً من مساعدات الأهل والأشقاء والأصدقاء.
المراهنةُ ليست من فراغ، لكنها تستند إلى الملفت من التكاتف والتعاضد والتعاون الذي تبدّى عند الشعب السوري وكلّ الجهات العامة والخاصة، رغم فظاعة المأساة وفداحة الخسائر وقساوة الظروف السياسية والاقتصادية والمناخية والطبيعية، التي اجتمعت كلها ضد المواطن السوري.
والمراهنة تأتي في ظلّ اللا خيار أمامنا ككل متكامل في أن ننجح جميعاً في تجاوز الكارثة، مع علمنا أن الكوارث حين تقع، فعادة ما يتمّ اكتشاف وجود مشكلات مُـزمنة تتعلق بعدم القدرة على التعامل مع الأزمة، هذا على الرغم من أن هناك مناهج ودورات دراسية تدرس تحت ما يُسمّى “إدارة الأزمات”، لكن بفعل الضربات العنيفة التي توجّهها مثل هذه الكارثة لبنية الدولة، فلا شك أن هذه ستلقي بظلالها الثقيلة على كفاءة الحكومة وسياسات الدولة وتوجهات الرأي العام.
إن الصورة العامة لتلك المسألة، تبدو معقّـدة لدرجة ما، فهناك مؤشرات حقيقية، حول وجود اهتمام واسع النطاق بدرجة مبالغ فيها أحياناً بمشكلة إدارة الأزمات، إذ يوجد حجم هائل من الكتابات المتخصّصة حولها، وعدد كبير من الخبراء العاملين في المجال، وتقارير شبه دورية تصدرُ من مؤسسات مختلفة، رسمية ومستقلة، بل ومراكز دراسات متخصّصة في كثير من الدول، ودورات تدريبية مُـتواصلة في كل الوزارات تقريباً، بدءاً بأكاديميات الدفاع والأمن، وحتى وزارات الكهرباء والري والتموين، مع وجود مراكز لإدارة الأزمات داخل بعضها.
لكن، عندما تقع الكوارث فعلياً، يتمّ اكتشاف وجود تلك المشكلة المُـزمنة المتعلقة بعدم القدرة على التعامل مع الأزمة، لأن النظرية شيء والتنفيذ شيء آخر، سواء كان ذلك في مواجهة الكوارث الطبيعية أو الكوارث الناتجة عن أخطاء بشرية، وترصد التحليلات التي تتناول تلك المشكلة في المنطقة عشرات الأسباب “الفنية” التي لا جدوى حقيقية من رصدها، فهي أشبه بالمتاهة، لكن أي اطلاع عام على أي تحقيق جرى بشأن كارثة فعلية، يوضح ما يلي:
ليس في سورية فقط، إن معظم البلدان العربية قد صاغت -أياً كان التعبير المستخدم- أفكاراً بشأن ما يُسمّى استراتيجية قومية للتعامل مع الأزمات، لكنها عموماً غير مُترجمة إلى هياكل عملية مركزية، لذا فإنه عندما تقع الكارثة يسـودُ الارتباك، لأنه لا يوجد من أُنيطت به من قبل مسؤولية إدارتها خارج أجهزة الدولة المعتادة، وعادة ما يتحرّك الجيش للتعامل مع المشكلة إلى أن تتّـضح الأمور.
كذلك أن فكرة التنبّـؤ بالأزمات عبر إنذار مبكر، يتيح الاستعداد لها من خلال تحديد سيناريوهات مُعيّنة، واعتمادات مالية وجهات جاهزة للتحرك لا وجود لها، فعلى الرغم من وجود خرائط تفصيلية أحياناً لطبيعة المخاطر التي تواجه المناطق المختلفة في الدول، فإن الكوارث تبدو دائماً وكأنها تفاجئ الجميع!.
وأيضاً أن مشكلات واسعة النطاق، تظهر عند التعامل مع الكوارث التي تقع بالفعل، والتي يكون الهدف الواضح بشأنها هو تقليص الخسائر، وأعمال الإنقاذ، واحتواء الموقف، واستعادة الأوضاع الطبيعية، كعدم التنسيق بين الجهات التي يُفترض أن تواجهها، في ظل التعددية الواسعة لها، مع محدودية في كفاءة الإغاثة، من حيث سرعة ردّ الفعل والفعالية في العمل.
لقد أكّدت كلّ الكوارث تقريباً أن هناك مشكلة مستعصية تتعلّـق بأجهزة إدارة الكوارث، لكن في الوقت نفسه، أثبتت تلك الخِـبرة وجود عوامل إضافية، فالمواطنون العاديون يتحرّكون بشكل سريع يكاد يكون بُـطولياً أو “انتحارياً” أحياناً، عندما تقع الكوارث، كما أن بعض التنظيمات غير الحكومية التابعة لبعض النقابات وغيرها، تتحرك أحياناً أسرع من بعض أجهزة الدولة، فيما عدا الجيش الذي يكاد يكون الجهة الأولى التي تصل إلى “مكان الحادث” قبل أية جهة مختصة.
Qassim1965@gmail.com