مدفيديف: من حق روسيا الدفاع عن نفسها بأيّ سلاح
موسكو- تقارير:
لقد حصل الغرب على ما يستحق من روسيا.. فقد استمرّ جاهداً طوال السنوات الماضية في استفزازها بشتى الوسائل، وعمد إلى تهديد أمنها عبر سعيه الدؤوب إلى نقل بنية حلف شمال الأطلسي العسكرية إلى حدودها الغربية، مستنداً في ذلك إلى نظام نازي صنعه في أوكرانيا وعمل على تسليحه وتجهيزه لاستخدامه رأس حربة في استهدافها وإضعافها وهزيمتها استراتيجياً، فضلاً عن مخادعة روسيا فيما يخص اتفاقية مينسك التي استخدمها أصلاً في كسب الوقت إلى حين التمكّن من زعزعة استقرار روسيا من الداخل.
كل ذلك فعله الغرب وانتظر من موسكو أن تردّ عليه ردّاً أخفّ وطأة من هذا الردّ الذي نزل كالصاعقة على رؤوس القادة الغربيين الذين أدركوا أن اللعبة قد انتهت، وأن عليهم الآن أن يفكّروا مليّاً في العودة إلى طاولة الحوار مع موسكو، حيث ينبغي عليهم أولاً تقديم ضمانات أمنية لها بعدم تمدّد الحلف شرقاً ونزع سلاح النظام النازي في أوكرانيا والابتعاد عن التدخل في الشأن الداخلي الروسي، فضلاً عن ضمّ فرنسا وبريطانيا النوويتين إلى اتفاقية “ستارت” وإلزامهما بها، لأنه لا يمكن أن يتسرّب الثقل النووي الأمريكي في المعاهدة إلى هاتين الدولتين، وبالتالي يصبح الهدف منها نزع السلاح الروسي مقابل زيادة الترسانة النووية للدولتين، أي استمرار الخداع الغربي لروسيا.
وفي التفاصيل، أكّد نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري مدفيديف أنه إذا كانت الولايات المتحدة تريد هزيمة بلاده فيحقّ لروسيا إذاً الدفاع عن نفسها بأي سلاح.
ونقل موقع روسيا اليوم عن مدفيديف قوله في منشور على قناته الرسمية على تليغرام: “بالأمس كان هناك خطاب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام الجمعية الفدرالية جاء فيه، ضمن أمور أخرى، تعليق مشاركتنا في معاهدة (ستارت3)، وهو قرار طال انتظاره ودفعت نحوه الحرب التي أعلنتها الولايات المتحدة ودول (الناتو) ضد بلادنا، قرار سوف يكون له صدى كبير في العالم بشكل عام وفي الولايات المتحدة بشكل خاص”.
وبيّن مدفيديف أنه بعد كل شيء كان لسان حال المؤسسة الأمريكية الحاكمة حتى الآن، يقول: إنهم سيلحقون الضرر بروسيا في كل مكان وفي كل شيء، وسيزوّدون نظام كييف بكميات هائلة من الأسلحة، وسيعملون على هزيمة روسيا وتقييدها وتدميرها، مضيفاً: إن “هذا الاستنتاج الأمريكي هو أسوأ جريمة، هو خطأ فادح من الأمريكيين، خطأ ناجم عن جنون العظمة وشعورهم بالتفوّق والقدرة الدائمة على الإفلات من العقاب”.
وتابع مدفيديف: “سنراقب أيضاً ردّ فعل القوى النووية الأخرى من أعضاء الناتو كفرنسا وبريطانيا، لم تكن قوّتهم النووية الاستراتيجية مدرجة عادة في ميزان الرؤوس الحربية والحاملات النووية عند إعداد الاتفاقيات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، لكن حان الوقت للقيام بذلك”.
واعتبر مدفيديف أن العبارة التي قالها الرئيس الأمريكي جو بايدن في وارسو حول أنه إذا أوقفت روسيا غزوها فسوف ينتهي كل شيء الآن، أما إذا توقف الأوكرانيون عن الدفاع عن أنفسهم فستكون هذه نهاية أوكرانيا “تمثل كذبة مكرّرة”، فالحقيقة مختلفة تماماً، وهي أنه إذا توقّفت الولايات المتحدة عن إمداد نظام كييف بالأسلحة، فإن الحرب ستنتهي الآن.
وفي السياق، تبنّى مجلس الدوما الروسي اليوم قانوناً بشأن تعليق مشاركة روسيا في معاهدة ستارت الاستراتيجية الموقّعة مع أمريكا.
وحسب بيان للدوما نقله موقع روسيا اليوم: “ينصّ القانون على أن يعلّق الاتحاد الروسي المعاهدة المبرمة بين الاتحاد الروسي والولايات المتحدة الأمريكية بشأن التدابير الرامية إلى زيادة خفض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية والحدّ منها والموقعة في براغ في 8 نيسان 2010″، ويدخل القانون حيّز التنفيذ بعد نشره رسمياً.
ولفت البيان إلى أن القرار الخاص باستئناف مشاركة روسيا في المعاهدة سيتخذه رئيس البلاد.
وأكّد رئيس مجلس الدوما الروسي فياتشيسلاف فولودين أن تعليق روسيا معاهدة ستارت بشأن تدابير زيادة تخفيض الأسلحة الهجومية والحدّ منها جاء نتيجة السياسات التي تتبعها الولايات المتحدة.
ونقل موقع روسيا اليوم عن فولودين قوله في بيان اليوم: “سينظر مجلس الدوما في مبادرة الرئيس فلاديمير بوتين بشأن تعليق روسيا للمعاهدة المبرمة مع الولايات المتحدة بشأن اتفاقية ستارت، وذلك بعد النظر في سياسات الولايات المتحدة المتمثلة في التوقف عن التزاماتها ورفضها مقترحات روسيا بشأن قضايا الأمن العالمي”، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة بذلك دمّرت بنية الاستقرار الدولي، وأغرقت العالم أيضاً في حالة من الصراعات والتحدّيات.
وأكد فولودين أنه فيما يتعلق بأمن البلاد والمواطنين فإن إجراء حوارات ومحادثاتٍ مع روسيا بلغة الإنذارات النهائية أمر غير مقبول، لافتاً إلى أن أعضاء الكونغرس الأمريكي بحاجة إلى أن يكونوا على دراية بهذا الوضع الذي نشأ بسبب الرئيس الأمريكي.
إلى ذلك، أكّد المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف أن موسكو مستعدّة للعودة إلى تطبيق معاهدة “ستارت” الاستراتيجية عندما يصبح الغرب مستعدّاً لمراعاة مخاوف روسيا المشروعة.
وقال بيسكوف في تصريح صحفي اليوم نقله موقع روسيا اليوم: إن ردّ فعل الغرب على تعليق روسيا مشاركتها في معاهدة ستارت لا يجعلنا نأمل في استعداده للمفاوضات، لافتاً إلى أن روسيا ستتحلّى بالصبر في انتظار أن ينضج الغرب لإجراء حوار طبيعي حول هذه المعاهدة.
من جهتها، الخارجية الروسية أكدت أن الغرب هو من قام بتدمير نظام الأمن الدولي القائم على المساواة.
ونقل موقع روسيا اليوم عن المتحدثة الرسمية باسم الوزارة ماريا زاخاروفا قولها في حديث لراديو سبوتنيك اليوم تعليقاً على ردّ الفعل الغربي تجاه تعليق روسيا مشاركتها في معاهدة الحدّ من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية ستارت: “لقد بدأ الغرب بوعي تام وبدم بارد وباستخفاف في تدمير نظام الأمن الراهن في العالم لمجرّد أنه يفترض المساواة وتوازن المصالح والمعاملة بالمثل في عدد من المجالات”، مضيفة: “إنهم يشعرون كما لو كانوا قد أهينوا بسبب تساويهم مع كياناتٍ أخرى أو مع أولئك الذين يرتبطون معهم بعلاقات تعاقدية ولا سيما معنا”.
وأشارت زاخاروفا إلى أن الغرب “تمادى كثيراً في مفهومه عن استثنائيته، وبالتالي كان عليه تدمير كل ما يمكن أن يتساوى معه في الحقوق”، معتبرة أن الدول الغربية ما زالت تسعى نحو إعلان نفسها على أنها مركز القوة الوحيد في العالم.
بدوره، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف أن تبادل المعلومات مع الولايات المتحدة بموجب معاهدة “ستارت” تم تعليقه.
ونقلت سبوتنيك عن ريابكوف قوله للصحفيين اليوم: “تم تعليق تبادل المعلومات، وكل عناصر الاتفاق المتعلقة بأنشطة التحقق لن تعمل مع الأخذ في الاعتبار إعلان التعليق، وإضفاء الطابع الرسمي المتوقع على التشريع”.
من جهة ثانية، أكد ريابكوف أن روسيا لا يمكنها إهمال إمكانات فرنسا وبريطانيا في مجال الأسلحة الاستراتيجية.
وقال ريابكوف: “من وجهة نظر التخطيط العسكري وتحليل الوضع الذي تجد روسيا نفسها فيه من أجل ضمان أمنها، لا يمكن إهمال الإمكانات البريطانية والفرنسية في مجال هذه الأسلحة، وسيتم النظر في هذه الإمكانات بالاقتران مع القدرات الأمريكية كقبضة واحدة موجّهة ضد روسيا”.