استمرار عزوف المربين عن الإنتاج.. و”الفروج المجمّد” يثير الشبهات!
يبدو أن معاناة مربي الدواجن مستمرة مع رفع سعر المادة علناً من قبل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك الشهر الماضي، ليُضاف إحجام المواطنين عن شراء المادة إلى قائمة العوائق التي تقف في طريق تربية الدواجن، فمع مغادرة اللحوم البيضاء والحمراء على حدّ سواء موائد السوريين قبيل شهر رمضان وامتناع المواطن عن خوض معركة التفكير بشراء البيض والدجاج “بالقطعة” بعد أن حذف إمكانية شراء الفروج أو صحن البيض الكامل من سجل مائدته منذ أشهر طويلة، سجّل هذا القطاع عزوفاً جديداً للمربين بعد خسائرهم المتكررة والناتجة هذه المرّة عن خلل تسويق المادة، لنعود مجدداً إلى الغوص في دوامة هذا القطاع الذي عجزت الجهات المعنية عن ضبطه وإيجاد حلول تُرضي المستهلك والمربي معاً.
فروج مجمّد
ومع تجاوز سعر الفروج الحيّ نصف الأجر الشهري لموظفي القطاع العام سارعت السورية للتجارة للتدخل بهدف عدم حرمان المواطن من هذه الوجبة في شهر رمضان، وقامت بطرح الفروج المجمّد بسعر مخفّض عن السوق المحلية بـخمسة آلاف ليرة للكيلو الواحد ببعض صالاتها، الأمر الذي لم يلق قبولاً عند المواطنين كون المادة مجمّدة ومجهولة المصدر- بالنسبة لهم – ناهيك عن أن سعرها لا زال خارج القدرة الشرائية للغالبية العظمى منهم، ليؤكد مازن مارديني، عضو لجنة مربي الدواجن، استمرار ارتفاع سعر المادة نتيجة عزوف المربين عن التربية وخروجهم بشكل يومي من العمل في هذا القطاع نتيجة ارتفاع مستلزمات الإنتاج وفي مقدمتها مادة العلف، لافتاً إلى أن شجون المربين لم تتوقف على مدار الأعوام الأخيرة ورغم تأكيدهم مراراً وتكراراً أن هذا القطاع آيل للسقوط والتدهور ووصولنا إلى استيراد البيض والفروج آجلاً أم عاجلاً، إلّا أن تلبية مطالب المربين بقيت مسوّفة، فالحاجة اليوم كبيرة لتوفير المواد العلفية ومنح أسعار تنصف المنتج والمستهلك معاً لضمان استمرار الإنتاج والتصريف، إضافة إلى أهمية إتباع سياسة تسعير مرنة تجاه منتجات الدواجن، ولفت مارديني إلى أن ارتفاع سعر الصرف أثر بشكل سلبي كبير على هذا القطاع كباقي القطاعات، إلّا أن وقوف الجهات المعنية مكتوفة الأيدي حيال هذا الأمر على مدار سنوات لعب دوراً سلبياً أكبر لنصل اليوم إلى تضخم مخيف وتآكل بالقدرة الشرائية للمواطن لجميع السلع ليس فقط مادتي البيض والفروج.
تربية منزلية
وبعيداً عن سعر الصرف والتمسك به كشمّاعة لتدهور هذا القطاع وغيره من القطاعات، تحدث عيسى مهنا “مربي في القطاع الخاص” عن عدم توقف معاناة المربين على سعر الصرف وما ينتج عنه من ارتفاع لسعر العلف، فموجات الحر والصقيع وكارثة الزلزال وأي تغيير في المناخ الطبيعي يؤثر حتماً على نفوق عدد لا يستهان به من الدواجن، ولاسيّما أن معظم المداجن غير مهيأة بشروط صحية وسليمة لتربية الدواجن، فنقص المحروقات وما ينجم عنه من سوء التدفئة شتاءً وعدم توريد كميات كافية من المحروقات للمداجن فتح باب الشراء من السوق السوداء لتُسجل خسارة جديدة في مرمى المربين، مشيراً إلى أن المعاناة في فصل الصيف لا تختلف عنها في الشتاء لنشهد عزوف آلاف المربين عن العمل واتجاه سكان القرى وحتى أصحاب المنازل العربية في المدن لتربية عدد قليل من الدجاج المنزلي لتلبية حاجتهم الغذائية بدلاً من الغوص في سلسلة الارتفاعات المتصاعدة!
وتحدث مهنا عن مشكلة الأدوية واللقاحات التي تشكل أيضاً عائقاً أمام المربين في ظل عدم توفرها بشكل كافٍ دوماً، عدا عن المشكلات التسويقية، خاصّة وأن الجهات المعنية لا زالت ومنذ سنوات تعتمد على وضع المربي والمستهلك موضع “التجربة” بُغير الوصول إلى حلّ نهائي، من خلال رفع سعر العلف وخسارة المربي تارة ورفع سعر البيض والدجاج وخسارة المستهلك تارة أخرى.
تخزين مُسبق
في المقابل، نفى عبد الرحمن قرنفلة المستشار الفني في اتحاد غرف الزراعة أن تكون السورية للتجارة قامت بطرح فروج مجمد مجهول المصدر، مؤكداً أن السورية للتجارة وبناء على مطالبة مربي الدواجن قامت خلال فترة انخفاض أسعار الفروج بشراء كمية من المربين كنوع من التدخل الإيجابي للحدّ من تدهور سعر المبيع آنذاك، والحدّ من خسائر المربين حينها، وعملت على تخزين تلك الكمية للتدخل إيجابياً لصالح المستهلك من خلال البيع بأسعار أقل من سعر السوق السائد حالياً كون سعر الشراء أساساً كان خلال فترة تدهور أسعار الفروج. وحول رفع سعر مادتي الفروج والبيض مؤخراً بشكل حرم المواطن منها بيّن قرنفلة أن أسعار منتجات الدجاج (لحم فروج وبيض مائدة) ترتبط بتكاليف الإنتاج مضافاً إليها هوامش ربح المربي والعاملين بالسلاسل التسويقية، وتقوم وزارة التجارة الداخلية بدراسة تكاليف الإنتاج لكل من القطاعين العام والخاص إضافة إلى التكاليف التي تعدها وزارة الزراعة وبعد تدقيق تكاليف كافة الجهات وتقاطعاتها تقوم وزارة التجارة الداخلية بإضافة هوامش ربح وتصدر التسعيرة.
تراجع العرض والطلب
المستشار الفني أوضح أن المشكلة لا تتوقف على سعر المادة فقط، فضعف القوة الشرائية للمواطن بسبب عوامل معقدة ومتعدّدة يحدّ من شرائه الكثير من السلع والمواد الغذائية الضرورية لصحته، وعزا قرنفلة ارتفاع أسعار منتجات الدجاج بالدرجة الأولى إلى ارتفاع قيمة الأعلاف التي باتت تشكل أكثر من ٨٥% من إجمالي التكاليف ومن المعروف أن نسبة كبيرة من أعلاف الدجاج مستوردة وتتأثر قيمها بسعر صرف العملة المحلية تجاه العملات الأجنبية التي يتمّ الاستيراد بها، ناهيك عن تراجع عدد مربي الدواجن بشكل مفزع نتيجة عجزهم عن تمويل تكاليف دورات إنتاجية جديدة، حيث تبلغ قيمة قطيع “صيصان” الدجاج البياض المكون من ١٠ آلاف صوص بعمر يوم واحد حوالي ٧٠ مليون ليرة سورية وتحتاج خلال عمرها الإنتاجي إلى حوالي ٥٥٠ طناً من الأعلاف متوسط قيمتها يتجاوز مليارين ونصف المليار ليرة سورية، والجدير ذكره –بحسب قرنفلة- أن أكثر من ٩٠% من مربي الدواجن طاقاتهم الإنتاجية بحدود ١٠ آلاف طير وما دون ولا يملكون استثمارات كافية للإقلاع بدورات إنتاجية جديدة، وهذا يؤدي إلى تراجع حجم المعروض من الفروج والبيض، ويساهم ذلك برفع الأسعار بفعل زيادة الطلب لوجود تناسب طردي بين ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء وزيادة حجم الطلب على لحم الدجاج.
ميس بركات