المبعوث الأممي إلى السودان غير مرغوب فيه
ريا خوري
لم تتوقف أشكال الصراع في السودان، فهي متعدّدة، منها مواجهات القوات العسكرية مع قوات الدعم السريع، والتي تبدو بلا أفق منظور ينبئ بانفراج الأزمة، كما أن هناك شكلاً آخر من الصراع يخوضه الجيش السوداني مع المبعوث الأممي الألماني فولكر بيرتس. هذه المعركة مع الدبلوماسي الألماني ليست جديدة، ففصولها تمتد إلى زمن طويل مضى، وإن كان منعطفها الأقوى والأبرز إعلان وزارة الخارجية السودانية قبل أيام الدبلوماسي بيرتس شخصاً غير مرغوب فيه، وغير مرحّب به في السودان. وقد سبق هذا الإعلان الصريح مطالبة قائد الجيش السوداني عبد الفتاح برهان في أيار الماضي بتغييره، لكن أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة وصف هذا الطلب بالصدمة، وجدّد ثقته الكبيرة في مبعوثه الألماني، مع أن الطلب هو حق قانوني للسودان، ويجري ضمن المعايير السياسية والدبلوماسية الدولية.
وفي حزيران 2021، أصدر مجلس الأمن قراراً بتشكيل بعثة سياسية لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس) لفترة أولية مدّتها 12 شهراً. ويطلب القرار من غوتيريش أن يُعيّن مبعوثاً لرئاسة البعثة الجديدة، وتمّ حينها تعيين بيرتس رئيساً لها.
وفي الغالب ترتبط أسماء بعض المبعوثين الدوليين بتأجيج الصراع في الدول المعنية، وبالسعي للفتنة بين الجبهات، خلافاً لما تقتضيه مهماتهم الملقاة على عاتقهم، وفي مقدمتها تقريب وجهات النظر، وكسر الحواجز بين الجهات المتصارعة، وحثّ الجميع على الالتزام بما يُعيد الأمن والأمان والاستقرار ويحفظ الأرواح والممتلكات.
ويعتبر برهان أن بيرتس ترك انطباعاً بعدم حيادية الأمم المتحدة واحترامها لسيادة الدول، وأن سلوكه السريّ والعلني كان يتسم بنسج الكثير من التعقيدات، وإثارة النعرات والخلافات بين القوى المتصارعة، ما أدى إلى نشوء الصراع المسلح الدامي منذ منتصف نيسان الماضي. وهذه القناعة كانت مشتركة بين قادة الجيش السوداني دون استثناء، ولها تجليات سابقة على بدء الصراع المسلح بعام كامل، وكان الإعلام السوداني قد اتهم بيرتس في نيسان 2022 بالعمل على نشر الإرهاب والفتنة في البلاد. وعلى الرغم من كلّ ذلك، بقي المبعوث الأممي يلتقي مع كل الأطراف بشكلٍ علني وسرّي، ويعمل ما يحقق مهمته المفترضة التي بدأت قبل ثلاث سنوات أي في حزيران 2021، وهي تحقيق الأمن والسلام والانتقال الديمقراطي السلس في السودان. وفي هذا السياق المتشابك، أعلن بيرتس في آذار الماضي تلقيه تهديدات بالقتل من بعض المعارضين لأداء البعثة، لكن ذلك كان أبعد من أن يثنيه عن الاستمرار في مهمته، فهو يحمل بجعبته أجندة سرية غير معلنة لا تعرفها سوى الدوائر المغلقة في بلاده وبلاد أخرى.
من التجارب العربية السابقة أثبتت معظم البعثات الأممية انحيازها ضد الدولة والشعب الذي ابتعثت إليه، فكانت مهماتها السرية تفتيت القوى الفاعلة وزرع الفتن، وبثّ روح التفرقة، فكانت النتائج خطيرة لتقسيم العراق إلى طوائف وقوميات وتغيير دستور البلاد، وما يعانيه الشعب السوداني والقوى المتصارعة في هذه المرحلة سيقود حتماً إلى النتائج نفسها التي مرّت بها بعض الدول العربية، فلا السودان بلغ الديمقراطية، ولا نعم بالأمن والأمان والسلام بل تمّ اقتياده إلى الحرب، وليس أي حرب.. إنها حرب دامية راح ضحيتها آلاف القتلى والجرحى وملايين اللاجئين والمشردين، هذه الحرب لا يمكن لأحد طرفيها اتهام بيرتس رئيس بعثة “يونيتامس” وحده بإشعالها، فكثيرون غيره من السودانيين يجب أن يُطردوا وأن يخرجوا معه فهم غير مرغوب فيهم ولا مرحب بهم.