الهجوم الأوكراني المضاد فشل.. هل استفاق الغرب على كابوس مرعب؟
البعث الأسبوعية – طلال ياسر الزعبي
لا يختلف اثنان على أن النتائج المرعبة التي تمخّض عنها الهجوم الأوكراني المضاد لا تبعث على التفاؤل بإمكانية إحداث أيّ خرق في سير المعارك الجارية فعلياً على أرض أوكرانيا بين روسيا وحلف شمال الأطلسي “ناتو”، وخاصة أن الأرقام الأخيرة التي تم الإعلان عنها حول خسائر الجيش الأوكراني بالأرواح والعتاد الغربي المزوّد به أثارت رعباً حقيقياً في الأوساط الغربية السياسية والعسكرية، من أن أيّ مواجهة مقبلة بين الناتو وروسيا لن تكون في مصلحة الغرب الذي جرّب أغلب أسلحته التقليدية في الحرب الدائرة الآن، وهو لا يملك أي تفوّق على روسيا في الأسلحة النووية إذا قدّر للمعركة أن تنتقل إلى هذه المرحلة، فضلاً عن أنه لا يرغب في مواجهة روسيا القوية التي يحلم في إضعافها قبل الانقضاض عليها.
ويبدو أن إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فشل الهجوم الأوكراني المضاد رغم استمراره، والخسائر الإضافية الفادحة التي تكبّدتها قوات كييف خلال الأيام الماضية، جاء ليضع حدّاً لجميع الأحلام الغربية بإمكانية تحقيق أيّ نصر عسكري على الجيش الروسي، حيث أشار بوتين إلى أن الجيش الروسي دمّر عدداً قياسياً من الأسلحة الغربية، بينما أكد نظيره البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو أنه مع مثل هذا العدد من الأسلحة الأجنبية التي تم تدميرها، يمكن كذلك تقدير عدد الخسائر البشرية التي تكبّدتها كييف.
هذا الإعلان ربّما أجبر وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، على الاعتراف بأن الهجوم المضاد للقوات المسلحة الأوكرانية يسير بصعوبة، مؤكداً أن الجيش الروسي أعدّ خطوطاً دفاعية قوية.
وادّعى بلينكن الذي يحاول امتصاص الغضب المتزايد من الخسائر المتوالية التي يتعرّض لها الجيش الأوكراني الذي تمّ تزويده بالأسلحة الغربية بسخاء لا نظير له في مقابلة مع شبكة CNN، أن “الهجوم المضاد في مرحلة مبكرة نسبياً، وهو يسير بشكل صعب”، وأن “قتالاً عنيفاً يدور في الوقت الراهن”، ولكن الدفاعات الروسية القوية تحول دون الحصول على النتيجة المطلوبة، بينما حاول من جهة أخرى تأكيد صوابية التوجّه الأمريكي نحو استمرار الدعم للنظام الأوكراني، وبالتالي لا بدّ من إقناع المتلقّي الأمريكي دافع الضرائب بأن الأمر يمكن أن يستمر عدة أشهر.
وكان وكيل وزارة الدفاع الأمريكية للشؤون السياسية، كولن كول، قال في وقت سابق من هذا الشهر: إن القوات المسلحة الأوكرانية تتقدّم بوتيرة أبطأ ممّا كان متوقّعاً في الولايات المتحدة، لكنه اعتبر أنه من السابق لأوانه الحكم على النتائج، الأمر الذي يؤكّد من جهة ثانية حجم التعويل الأمريكي على هذا الهجوم.
وفي وقت سابق، ذكرت شبكة “سي إن إن” أن الدول الغربية متوترة لأن تقدم القوات الأوكرانية يمكن قياسه “بالأمتار وليس بالكيلومترات”، فضلاً عن أن الوتيرة البطيئة للهجوم المضاد تعني أن الدعم الغربي قد يتضاءل مع الوقت.
فالجيش الأوكراني الذي يشنّ هجمات فاشلة منذ 4 حزيران تكبّد حتى الآن 26 ألف جندي حسب وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، ولم تنجح القوات الأوكرانية في أي محور من محاور القتال، ومن هنا كتبت “وول ستريت جورنال” أن توقّعات الغرب ورهاناته على شجاعة الأوكرانيين وحنكتهم في القتال خابت، بعد أن خذلت قوات كييف حلفاءها بفشل هجومها المضاد.
ولفتت الصحيفة إلى أن مواجهة حقول الألغام والتحصينات القوية وتفوّق الطيران الروسي ستؤدّي إلى مزيد من الخسائر في صفوف القوات الأوكرانية، وهذا ما حدث بالفعل، حيث يواجه الغرب احتمال إطالة أمد القتال والحاجة إلى أموال إضافية، وهو ما ستتردّد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فيه.
وبالتالي فإن مخاوف جو بايدن من أن يؤثر استمرار النزاع في فرص إعادة انتخابه، واحتمال تنامي مشاعر التذمّر في الاتحاد الأوروبي والتخلّي عن دعم كييف في نهاية المطاف، كل ذلك يمكن أن يعبّر عن الهواجس التي باتت تعتري الإدارة الأمريكية الحالية، وربّما كان سبباً في استعجال إرسال واشنطن القنابل العنقودية المحرّمة دولياً إلى النظام في كييف.
وفي الحديث عن ذلك ذكرت صحيفة “ريبيليون” أن الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، يختلق “نجاحاتٍ وهمية لقوات كييف”، في حين أنها لم تحقق أيّاً من المهام الموكلة إليها في ساحة المعركة، لأن قواته لم تتمكّن فعلياً من استعادة السيطرة على أيّ من المدن التي وضعتها أهدافاً، فضلاً عن الارتفاع اليومي في عدد القتلى في صفوف الجيش الأوكراني، الأمر الذي دفع واشنطن حسب الصحيفة إلى إمداد أوكرانيا بالقنابل العنقودية.
ولا شك أن المحللين العسكريين الغربيين بدؤوا فعلياً بتحليل النتائج الحقيقية للهجوم المضاد الأوكراني الفاشل، وأنهم يرسلون رسائل خاصة بالواقع الميداني على الأرض تزيد حالة التشاؤم التي تكتنف الأوساط السياسية والعسكرية الغربية، وخاصة في البنتاجون وحلف شمال الأطلسي، اللذين كانا يعوّلان على هذا الهجوم ويطلقان التصريحات المبشّرة بإمكانية الحصول من ورائه على نتائج إيجابية في صراعهما المباشر غير المعلن مع روسيا، وإن كانا يبديان حماساً كبيراً للاستمرار في مدّ نظام كييف بشتى أنواع الأسلحة التي اعتقدا أنها ستغيّر مجريات المعركة.
فقد أشار العقيد الأمريكي المتقاعد دانيال ديفيس إلى أن قوات كييف اعتمدت تكتيكاً جديداً محكوماً عليه بالفشل، سيؤدّي إلى سقوط مدن أوكرانية كبرى أخرى كأوديسا، أو خاركوف، حيث انتقلت من تكتيك “إرهاق العدو” إلى استخدام مجموعات صغيرة من المشاة للتوغل في المواقع الدفاعية الروسية.
وأكد أن اتباع كييف هذا التكتيك “سيفشل بالتأكيد حيث تتميّز جغرافيا أوكرانيا من وجهة نظر عسكرية بتضاريس مسطّحة مفتوحة تتخللها بقاع غابات متفرّقة، ومع السيطرة الجوية الروسية يستحيل استخدام هذا التكتيك بسبب نقص الموارد البشرية والبنية التحتية اللازمة بعد المواجهات مع الجيش الروسي، فضلاً عن أن الاستمرار في المعركة سيزيد من احتمال زحف روسيا نحو خاركوف أو أوديسا.
كل ذلك يتم بالتوازي مع ما كشفه عسكريون أوكرانيون لصحيفة “كييف بوست” من أن قواتهم تعاني من خسائر فادحة وانهيار للمعنويات، بسبب المحاولات الفاشلة لتنفيذ الهجوم المضاد.
وكشفت صحيفة “نيويورك تايمز” أن القوات الأوكرانية تعمل على سدّ العجز في صفوفها بجنود قدامى وغير مدربين بشكل جيد، بعد فقدانها عشرات الآلاف من عناصرها.
ولكن الحقيقة المرة التي تعيّن على القادة الغربيين في محادثاتهم الخاصة في منتدى “آسبن” الأمني، مواجهة الرئيس الأوكراني بها، هي أنهم لا يؤمنون بانتصار جيش كييف في ساحة المعركة، حيث نقلت “فاينانشيال تايمز” أنه “بينما كان المسؤولون متفائلين في العلن بشأن التقدم العسكري للقوات الأوكرانية، أبدى العديد منهم قليلاً من التفاؤل في المحادثات الخاصة”.
ومع ذلك، تنتظر “الأخبار السيئة” كييف في الشتاء، كما أشار الدبلوماسي الأمريكي السابق، فيليب زيليكوف، حيث ستبدأ الخلافات الجادة في معسكر الدول الغربية حول مسألة منح المساعدة لأوكرانيا، مبرزاً معاناة الولايات المتحدة أكثر من اللازم لإبقاء نظام كييف واقفاً على قدميه.
وربّما تيقّن القادة الغربيون بالفعل من حقيقة أنه يستحيل تحقيق نصر على الجيش الروسي في الميدان، ولكنّهم في الواقع لا يستطيعون تحمّل فكرة إعلان روسيا النصر الكامل غلى الغرب الجماعي في معركة بالوكالة تم فيها استخدام أفضل أسلحة الناتو التقليدية، لذلك أصبح الدعم العسكري لأوكرانيا محصوراً في كيفية إيذاء روسيا بشكل أكبر لمنعها من الاستمرار في هذه الحرب حتى النهاية، وبالتالي تهديد حلف شمال الأطلسي “ناتو” المحرّض الرئيسي على هذه الحرب في عقر داره، وصولاً إلى إضعافه وتفكيكه، وهذا بالضبط سيكون بداية انهيار دراماتيكية للاقتصادات الغربية التي لا تزال ترتكز على القوة العسكرية للحلف، فهل يستفيق الغرب على كابوس مرعب من هذا النوع؟.