لمصلحة من تشغيل القطاع العام لصالح القطاع الخاص؟!
علي عبود
توقفت معامل شركة سكر حمص الأربعة (السكر والزيت والكحول والخميرة) عن العمل في بداية العام الحالي لعدم توفر المواد الأولية، والملفت أن وزارة الصناعة لم تكشف أسباب عدم توفر مستلزمات خطوط الإنتاج للشركة مسبقاً، ولمدة عام على الأقل.
السؤال: أليس غريباً أن تتوقف شركة صناعية عن إنتاج بدائل مواد مستوردة وضرورية لعدة صناعات أخرى، ولا تجتمع اللجنة الاقتصادية للموافقة على تأمين مستلزمات عملها، في حين تتخذ قرارات سريعة لكلّ ما له صلة بالاستيراد؟!
لقد كشف مدير عام شركة سكر حمص أنه “يتمّ الإعلان بشكل مستمر لشراء كمية 25 ألف طن سكر خام، إلا أن هناك عزوفاً من قبل العارضين للاشتراك بهذه المناقصة”، والسؤال: ألا توجد طريقة أخرى غير المناقصة لاستجرار حاجة الشركة من السكر الخام؟
لقد لاحظنا في السنوات الأخيرة أن القطاع العام الصناعي يعتمد على القطاع الخاص ليستورد له الكثير من مستلزمات الإنتاج، أي هو عملياً في قبضة حفنة من المستوردين، وهذا واقع شاذ لا يمكن أن يستمر وله عواقب وخيمة وخطيرة!.
ووصل الحال في بعض الشركات إلى استجداء القطاع الخاص لتصنيع وإنتاج السلع التي يحتاجها السوق تحت مسمّى “التشغيل لصالح الغير”، وهذا المصطلح قديم جداً ابتدعه وزير الاقتصاد السابق الدكتور محمد العمادي في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، ولم يكتب له النجاح حينها، وها هو يُبعث من جديد في الأعوام الأخيرة!
السؤال القديم الجديد: لمصلحة من تشغيل القطاع العام لصالح القطاع الخاص؟
لنستعرض المشهد حالياً: معمل زيوت حلب متوقف عن الإنتاج لأن وزارة الزراعة أخفقت بزراعة مساحات من القطن تكفي لتأمين حاجته من البذور!.
ومعمل سكر سلحب توقف عن الإنتاج لأن وزارة الزراعة أخفقت بإقناع اللجنة الاقتصادية بالموافقة على قرارات تشجّع على زراعة محصول الشوندر بكميات تكفي لتشغيله 100 يوم فقط!.
عدة شركات ومعامل كشركة سكر حمص توقفت عن الإنتاج بسبب عدم توفر المواد الأولية، ما اضطرها لأن تعمل لصالح القطاع الخاص بموافقة ملفتة وسريعة من اللجنة الاقتصادية!.
وفي هذا السياق نتساءل: من المستفيد من توقف معملي السكر في سلحب وحمص عن إنتاج مادة مطلوبة بشدة في الأسواق؟
إذا كانت وزارة الصناعة لم تتمكّن من انتزاع الموافقات اللازمة لتأمين الشوندر لتشغيل معمل سلحب بطاقة محدودة جداً ولمدة لا تتجاوز 100 يوم في السنة، فمن الطبيعي أن تخفق الوزارة بتأمين المادة الأولية لمعمل سكر حمص على مدار العام!.
والمستفيد الوحيد من التوقفين هم قلة من المستوردين المتنفذين، فهم غير مستعدين للتخلي عن استيراد أي كميات يمكن تصنيعها محلياً، فهو بالنسبة إليهم خسارة جسيمة من جهة، وتلجمهم عن احتكار سوق السكر من جهة أخرى!.
وعندما نعرف أن طاقة معمل سكر حمص تصل إلى 300 طن يومياً، فسنكتشف حجم الأرباح المتحققة لمستورد المادة جراء توقف المعمل عن الإنتاج، والسبب وراء عزوف القطاع الخاص عن الدخول في مناقصة لاستيراد السكر الخام لتصنيعه محلياً بدلاً من استيراده!.
وبما أن مدير شركة حمص مستعدّ لتشغيل معمل السكر لمصلحة تجار مستوردين للسكر الخام، فالسؤال: من أين استورد القطاع الخاص مادة السكر الخام؟
لا يمكن تبرير التقصير الحاصل بتأمين المواد الأولية للكثير من شركاتنا، وهو تقصير يعكس غياب الخطط الاقتصادية، وخاصة ما يتعلق منها بالمحاصيل الصناعية والأعلاف.
الخلاصة: بما أن تشغيل معمل سكر حمص المتوقف منذ 2017 على مدار العام سيخفض سعر مادة السكر إلى ما لا يقلّ عن 30%، فمن المتوقع أن يعرقل المستفيدون المتنفذون إقلاع أي خطوط إنتاجية، أو التوسّع بأي زراعات بديلة للمستوردات التي يشفطون منها المليارات يومياً، ولسانهم يردّد على مدار الساعة: أما من مزيد؟!.