السينما الصينية.. الحصان الرابح
أمينة عباس
ازدادت شعبيّة الأفلام الصينية، واكتسب معظمها شهرة في جميع أنحاء العالم، وقد تجاوز سوق الأفلام الصينية رسمياً سوق أميركا الشمالية عام 2020 كأكبر شباك تذاكر في العالم.. وقدّرت أرقام المحللين أن شباك التذاكر الصيني لعام 2021 انتهى بنحو 4.5 مليار دولار، وقالت الناقدة والصحفية السينمائية ريبيكا ديفيس في مقال لها في مجلة “فارايتي”: إن الصين اتخذت دائماً إجراءات استثنائية لحماية سوقها الضخم من محتوى هوليوود، لكن في عام 2021 وضعت حداً لتأثير عاصمة السينما العالمية، مبينة أن الصين حسمت أمرها وقررت قطع الطريق على هوليوود، حيث سمحت بعرض 21 عملاً هوليوودياً فقط عام 2021، وهو عدد أقل بكثير من رقم 34 عملاً الذي تم تحديده بموجب اتفاقية لعرض الأفلام بين البلدين وُقعت عام 2012، وكدلالة على حجم الانتعاش الذي تشهده صناعة السينما الصينية وكذلك دور العرض التي صارت الحصان الرابح في طرح العروض العالمية الجديدة، حيث حقق فيلمان من إنتاج صيني أكثر من مليار دولار بشباك التذاكر بالصين وحدها، وهما فيلما “معركة بحيرة تشانغجين” و “مرحباً يا أمي” اللذان كانا أعلى الأفلام ربحاً عالمياً سنة 2021.. ويتفق النقاد على أنه من الممكن أن يكون لنجاح الصين عواقب مستمرة على هوليوود، وخير مثال ما حدث عام 2021 حينما احتلت الأفلام الأميركية أقل من 12% من إجمالي شباك التذاكر.
تاريخ السينما الصينية
تبيّن بعض المصادر أن فيلم “معركة دينغ جون شان” المقتبس من مقطوعة غنائية لأوبرا بكين هو أول فيلم صيني، وتم إنتاجه في 1905 وبذلك تكون هذه السنة تاريخ ميلاد السينما الصينية التي لم تبدأ صناعتها المحلية بشكل جدي إلا في عام 1916 في مدينة شنغهاي التي تعتبر أكبر مدينة مزدهرة آنذاك في هذه الصناعة، وتعدّ فترة الثلاثينيات الانطلاقة الحقيقة للسينما الصينية، وهي الفترة الذهبية لها حيث ظهرت عدة مواهب في الإخراج وسادت فيها مجموعة من الشركات، وقد شهدت الصين في هذه الفترة إنتاج أول فيلم سينمائي ضخم، ومن أهم الأفلام الرئيسية التي أنتجت خلال هذه الفترة: فيلم “المرأة الجديدة”، “أغنية الصيادين”، “التّقطاعات” و”شوارع الملائكة”، وفي مراحل لاحقة أطلق السينمائيون الصينيون اسم “الجيل الخامس” على المخرجين الذين يمثلون الدفعة الخامسة التي تخرجت في معهد بكين، وبدأت أفلامهم في الظهور عام 1985 وصولاً إلى عام 1990، وتميزت أفلام هذا الجيل بالبساطة لما تضمنته من معان ودلالات الموروثات الشعبية، بينما تركزت اختيارات موضوعات وشخوص أعمالهم على واقع الحياة، قبل أن ينضم إليهم نجوم الجيل السادس في الألفية الثالثة، لتصبح مشاركة أفلام هذين الجيلين في مهرجانات السينما الدولية قاعدة أساسية مع حصولها على العديد من الجوائز بعد فرض وجودهم على الساحة المحلية والعالمية، ومن رواد الجيل الخامس: المخرج تشانغ مو والمخرج تيان جوانغ الذي ساعد وموّل أفلام الجيل السادس والذي أخرج فيلمه الروائي الطويل الأول “عشاق عطلة نهاية الأسبوع” الذي فاز بجائزة فاسبندر في مهرجان مانهايم عام 1996، ثم فاز فيلمه الثاني “نهر سوزو” بالجائزة الكبرى لمهرجان روتردام.. كما يعدّ المخرج زانج ييمو الذي ارتبط اسمه بالموجة الصينية الجديدة التي خرجت من معهد بكين للسينما نموذجاً على تطور السينما الصينية منذ عمله مصوّراً، قبل أن ينجز عمله الروائي الطويل الأول مخرجاً في فيلم “حقول الذرة الحمراء” الذي أصبح أحد أهم عناوين السينما الصينية الجديدة، وكان أول فيلم صيني يفوز بجائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي لعام 1988، في حين شهدت أعمال زانج ييمو تغيرات مهمة تجسدت في الفيلم الوثائقي “لن يغيب أحد” الذي فاز بجائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية السينمائي.
وبعد أن أصبحت السينما الصينية ضيفاً في عديد من المهرجانات الدولية على يد الجيل الخامس، شهد الجيل السادس ظهور مخرجين سينمائيين نذكر منهم لي يانغ صاحب فيلم “البئر الداخلية”، ووانغ شاو مخرج “فانتازيا” سنة 2014، ولو يي صاحب “ليالي السكر الربيعي” 2009 و”اللغز” 2012، ووانغ بينغ مخرج فيلم “غرب السكة الحديدية” 2002 و”الأخوات الثلاث ليونان” 2012، والمخرجة لي يو التي تمثّل جيل الشباب وهي صاحبة فيلم “جبل بوذا” الذي أخرجته عام 2015 .
أفلام الحركة والأكشن
لا يمكن الحديث عن السينما الصينية دون الإشارة إلى ما قدّمته هذه السينما من أفلام الحركة والأكشن والقتال، والتي برعت فيها شخصيات سينمائية ترددت على الألسن، لعل أبرزهم:
بروس لي
لُقّب بـالتنين الصغير، ويعتبر الأكثر شهرة في مجال الفنون القتالية، دخل عالم الفن في العديد من الأفلام في الخمسينيات ومن ضمنها فيلم “الولد شولنغ” عندما كان لا يزال طفلاً، ثم دخل العديد من المسابقات في الفنون القتالية فأثار إعجاب المنتجين السينمائيين، أتته الفرصة الأكبر عندما قدّم فيلم “الرئيس الكبير” في بداية السبعينيات، وفيلم “قبضة الغضب”، ثم قدّم بعد ذلك فيلم “طريق التنين” الذي أخرجه بنفسه و “دخول التنين”، وواجهته أثناء اشتراكه في هذا الفيلم كراهية شديدة من قبل هوليوود بسبب كونه البطل الأول لهذا الفيلم الهوليودي الصيني، وكان هذا الفيلم الأخير الذي استطاع إنهاءه قبل وفاته، فباشر بعد ذلك بتصوير فيلمه الجديد “لعبة الموت” لكنه مات أثناء التصوير عام 1973 ولم يصور فيه سوى مشاهد قليلة فقط.. استطاع بروس لي أن يشكل أسطورة الفن القتالي من خلال تأثيره في الشباب في جميع أنحاء العالم، وتأثر الممثلون الصينيون بأساليبه وأفكاره وروحه.
جاكي شان
ولد سنة 1954، وهو ممثل ومخرج أفلام ومنتج ومغنّ صيني، اشتهر في أفلامه بحركاته البهلوانية المبتكرة والتي كان يؤديها بنفسه.. بدأ التمثيل منذ الستينيات وظهر في أكثر من 150 فيلماً.. تدرب جاكي شان على الأوبرا وأصدر عدداً من الألبومات وغنى العديد من الشارات الموسيقية للأفلام التي لعب دور البطولة فيها، كما فاز بعدد كبير من الجوائز ومنها جائزة الأوسكار الفخرية، بدأ حياته المهنية من خلال الظهور في أدوار صغيرة بسن صغيرة، وفي سن السابعة عشر ظهر مع بروس لي كمؤدّ لمشاهد خطيرة في فيلمي “قبضة الغضب” و “دخول التنين”.. حصل على أول دور بطولة له في فيلم “النمر الصغير” 1974، وفي عام 1978 شهدت انطلاقته إلى العالمية حيث مثّل في عدة أفلام أهمها “السيد المخمور” الذي لاقى نجاحاً كبيراً، وفي التسعينات طرق أبواب هوليوود فمثّل في فيلمي “مستر نايس جاي” و “ساعة الذروة” ليحكم قبضته على أفلام الحركة والقتال التي برعت فيها السينما الصينية وقدّمت من خلالها روائع الفن السابع في هذا المجال ونذكر منها “البطل، المملكة المحرمة، قصة الشرطة، شانغهاي نون”.