إيجابية التعاضد!
بشير فرزان
يبدو أن حالة العوز والقلة باتت أكثر اتساعاً داخل المجتمع وأخذت نتائجها وتداعياتها بارزة بشكل واضح بعد ان انكشف عنها غطاء العيب المجتمعي فليس هناك أي إحراج من الإعلان عن الحاجة المادية وطلب العون من الأخرين والتوجه بأعداد كبيرة للحصول على المساعدات المادية والعينية نتيجة الأوضاع الاقتصادية المعدومة التي تشكل واقعاً عاماً للغالبية التي تعاني التحديات المعيشية الصعبة والضاغطة على حياتها. ورغم صعوبة المشهد الحياتي إلا أن ذلك لا يلغي حقيقة المجتمعية المتماسكة والتي تتفاعل نتائجها لتخفف من الأعباء وتحد من تداعيات الواقع فالحاضنة الاجتماعية المتكافلة والمتضامنة داخل المجتمع والمبادرات الخيرية تؤمن بعض الاحتياجات المعيشية التي تساهم لحد معين في سد الثغرات وردم الهوة بين الدخل المتواضع للكثير من العائلات وبين واقع الحياة الفعلي. ورغم بساطة ما يقدم ولكنه بحسب النتائج كاف لتجنب العوز والحاجة وتحقيق السترة التي كانت هدفاً مشتركاً بين الناس الذي يعتنقون فكرة (إذا كان جارك بخير فأنت بخير).
ومن الضروري العمل على استثمار الحالة الايجابية التعاضدية التي نعتقد أنها تمثل الصورة الحية للمجتمع من خلالإيجاد علاقة تعاونية صحيحة بين مديريات وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ومؤسسات المجتمع الأهلي، وخاصة في هذه الأيام المجروحة بالفقر وبشكل يؤدي إلى إيقاف النزيف الخيري المستمر الذي تسببه الاتكالية المفرطة على المؤسسات الخيرية التي تزداد مسؤولياتها نتيجة للحالة الانشطارية المتواصلة داخل المجتمع، وتحديداً لجهة زيادة عدد المحتاجين وغياب المعايير الواقعية للفئة الأشد حاجة فالطوابير الطويلة المتمسمرة أمام مقار الجمعيات الخيرية والهلال الأحمر تدين الفقر وتشوه الحقيقة، خاصة عند التدقيق في الهوية الاقتصادية المعيشية للحاصلين على المعونة والمساعدات المختلفة، أو السلة الغذائية بغير وجه حق. والمقصود هنا أولئك المتخفين بزي الفقر والحاجة والذين باتوا بمساعدة بعض ضعاف النفوس أكثر وقاحة وحضوراً على أبواب الهيئات الخيرية لسرقة حصص الفقراء الحقيقيين تحت عنوان مهجر أو متضرر وغيرها من التسميات رغم امتلاكهم لكافة مقومات الحياة الجيدة.
ولاشك أن تفاقم حالة الكسل المجتمعي وغياب الإدارة الناجحة للموارد العائلية بات المشهد الأقوى في الحياة العامة، وهذا ما يفرض على الكثير من الناس التدقيق أكثر في تفاصيل يومياتهم وتوجيه البوصلة الحياتية المعيشية بشكل عقلاني نحو قراءة المستجدات والحياة بشكل أخر واتخاذ الكثير من الإجراءات الاحترازية التي تدور في فلك الاقتصاد المنزلي بكل أدواته وطرقه ابتداءً من العمل على تحويل منازلهم إلى منشآت إنتاجية صغيرة قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي في مراحلها الأولى سواء الزراعي منها أو الصناعي الخدمي وذلك ضمن منظومة معيشية تعتمد على العمل الأسري الجماعي التي تحتال من خلالها على الواقع وبشكل يحقق الاستقرار المادي ومن ثم توسيع النشاط وزيادة الإنتاج والبحث عن تسويقه بالبيع المباشر أو عن طريق الوسطاء.
ولابد هنا من التحذير والتنبيه من أن الاستمرار بنهج الاتكال الكلي على إمكانيات المؤسسات المعنية والخيرية، وما تقدمه للمواطن هو خطاً قاتل للجهود المبذولة في مشروع الإنقاذ المعيشي، ومن الضروري تفعيل المبادرات الذاتية الإنتاجية داخل المجتمع، بحيث يكون هناك عمل جماعي للخروج من أزمة الواقع المعاشي الحالي بأسلوب اقتصادي جديد ومتوازن