الهجوم على القطاع الصحي عقاب جماعي وجرائم حرب.
عناية ناصر
ربما يمثل يوم 7 تشرين الأول 2023 الحدث الأكثر أهمية في التاريخ الفلسطيني الحديث، حيث أطلقت المقاومة الفلسطينية ما يقرب من 3000 صاروخ على “إسرائيل”، مما أسفر عن مقتل المئات وإثارة تكثيف الصراع الوحشي المستمر منذ عقود. هذا هو عادة المكان الذي تنتهي فيه التغطية الإعلامية الغربية للصراع . وفي العديد من التصريحات التي أدلى بها القادة السياسيون الأمريكيون والأوروبيون، لم يرد ذكر للسبب الدقيق الذي أدى إلى هذا الهجوم.
إن المذابح، وهدم المنازل، والقضاء على أسر بأكملها، وقتل الأبرياء، وعنف المستوطنين، والتطهير العرقي، والفصل العنصري، والهجمات على الأماكن المقدسة، وكل شيء آخر يصاحب أكثر من 70 عاماً من الاحتلال يتم التغاضي عنه دائماً تقريباً.
إن أحد العناصر الأساسية في التاريخ الفلسطيني، والأداة التي لم يتم تحليلها جيداً والتي تستخدمها “إسرائيل” لقمع الشعب الفلسطيني، هو التدمير المنهجي لصحة الشعب الفلسطيني، حيث استخدمت “إسرائيل” وستستمر في استخدامها، أدوات لاستهداف صحة الجماعات المضطهدة من أجل التمسك بالسلطة.
على مدى الأعوام الستة عشر الماضية، عانى سكان غزة من الحصار الخانق. ومنذ عام 2018، وقع أكثر من 645 هجوماً على البنية التحتية الصحية الفلسطينية الرئيسية من قبل الكيان الصهيوني. لم يكن لدى الفلسطينيين سوى القليل من الوصول إلى المستشفيات والتكنولوجيا الطبية، خاصة بالمقارنة مع نظرائهم الإسرائيليين، حيث تحد “إسرائيل” بشدة من حركة الفلسطينيين، وينتهي بهم الأمر برفض أكثر من 30% من طلبات التصاريح ، وهي ضرورية للسفر إلى مستشفى في فلسطين. وفي كثير من الأحيان، لا يتمكن الأطفال الذين يلتمسون العلاج الطبي في غزة من الحصول على موافقة السلطات “الإسرائيلية “من المشرفين البالغين عليهم. وهذا يؤدي إلى نتائج أسوأ بالنسبة للمرضى، فكلما طال انتظار العلاج، زادت مخاطر الوفاة.
ففي حالة مرضى السرطان في غزة، حرمت “إسرائيل” آلاف الفلسطينيين في غزة من القدرة على الخروج من السجن المفتوح للحصول على المساعدة الطبية، ونتيجة لذلك ارتفعت معدلات الوفيات بين الفلسطينيين الذين حرموا من الرعاية في الفترة 2015-2017 بنسبة 150% تقريباً. وهذا لا يتضمن فقدان آلاف الأرواح بسبب عدم إمكانية الوصول إلى التكنولوجيا الطبية (مثل أجهزة الأشعة السينية، والرنين المغناطيسي، وأدوية أمراض الدم) بسبب الحصار الإسرائيلي.
وكما ما أوضحت دينا الدنو، مريضة السرطان البالغة من العمر 40 عاماً، في وقت سابق من هذا العام: “المعبر الحدودي هو الحياة، لأن علاجنا كمرضى غير موجود في القطاع. فإما أن يعزز من علاجي أو يزيد من فرص موتي”. وبعد مرور خمسة أشهر، أصبح جميع الفلسطينيين تقريباً يعتمدون الآن على معبر رفح للحصول على المساعدات الأساسية. وكما حرمت مئات المدنيين من الحصول على العلاج الطبي قبل بضعة أشهر فقط، تواصل” إسرائيل” حرمان الأبرياء من احتياجاتهم. والآن، أعلن المسؤولون الإسرائيليون أنهم سيمنعون الكهرباء والوقود والمياه عن أكثر من 2.3 مليون فلسطيني يعيشون في غزة، وما يقرب من نصف الأفراد الذين يعيشون في هذا القطاع المكتظ هم من الأطفال، وجزء صغير منهم فقط هم أعضاء في المقاومة الفلسطينية.
إن مثل هذا العقاب الجماعي لن يؤدي فقط إلى مزيد من التصعيد والمعاناة، بل يعتبر أيضاً جريمة حرب. ومن شأن هذا الهجوم على البنية التحتية الأساسية أن يؤدي إلى ” وفاة الأطفال الجرحى في المستشفيات بسبب نقص الطاقة والكهرباء والإمدادات”، وفقاً للأمين العام لمجلس اللاجئين النرويجي، جان إيغلاند.
اليوم يحصل سكان غزة على 3 لترات من الماء كحد أقصى يومياً للاستحمام والشرب والطهي، مقابل 100 لتر يومياً التي أوصت بها الأمم المتحدة. لا يمكن للفلسطينيين البقاء على قيد الحياة مع هذا المستوى من نقص المياه وسوء التغذية إلا لفترة محدودة من الوقت. وإذا لم يقتلوا عطشاً أو جوعاً، فقد تكون القنابل “الإسرائيلية” هي التي تنهي حياتهم . وبالفعل، استهدف الإسرائيليون مواقع مدنية، مثل الكنائس والمستشفيات، كما هاجموا موظفي الصليب الأحمر وعمال الإغاثة في حربهم مع لبنان عام 2006.
على الرغم من أن الضربة الأكثر أهمية والأكثر إثارة للجدل على المستشفيات في الحرب المستمرة كانت تستهدف المستشفى الأهلي، إلا أنه ليس هناك شك ولا غموض حول الهجمات “الإسرائيلية” على البنية التحتية الحيوية الأخرى للرعاية الصحية. وتُترك المستشفيات في غزة، مثل مستشفى الناصر والشفاء، بدون واط من الكهرباء لساعات طويلة. ويضطر الجراحون إلى إجراء عمليات جراحية للأطفال دون تخدير، باستخدام المصابيح الكهربائية فقط لمساعدتهم على رؤية حالات الطوارئ أثناء المداهمات الليلية. يعاني السكان الأكثر ضعفاً في غزة من الأسوأ في أزمة الرعاية الصحية هذه. وفي اللحظة التي تنقطع فيها الكهرباء، سيموت أكثر من 130 طفلاً فلسطينياً بسبب انقطاع التيار الكهربائي عن حاضناتهم.
إن مستقبل غزة غير مؤكد، لكن الأمر المؤكد هو أن “إسرائيل” ارتكبت، وترتكب حالياً، جرائم حرب في فلسطين المحتلة . يتأثر كل جانب من جوانب الحياة الفلسطينية بالاحتلال. ولكن من خلال استهداف قطاع الصحة وصحة الفلسطينيين، ضمنت “إسرائيل” وفاة أعدائهم بما في ذلك المدنيين الفلسطينيين بأكثر الطرق الممكنة إيلاماً ووحشية.
العناصر الأساسية في التاريخ الفلسطيني، والأداة التي لم يتم تحليلها جيداً والتي تستخدمها “إسرائيل” لقمع شعب فلسطين، هو التدمير المنهجي للبنية التحتية الصحية ولصحة الشعب الفلسطيني . لقد استخدمت دول عدة ومن بينها الكيان الإسرائيلي أدوات لاستهداف صحة الجماعات المضطهدة وستستمر في استخدامها من أجل التمسك بالسلطة. على مدى الأعوام الستة عشر الماضية، عانى سكان غزة من الحصار الخانق، فمنذ عام 2018، وقع أكثر من 648 هجوماً على البنية التحتية الصحية الفلسطينية الرئيسية من قبل الكيان الإسرائيلي.
لدى “إسرائيل” تاريخ في استخدام الرعاية الصحية كوسيلة للسيطرة لقتل الآلاف من الفلسطينيين، وأحياناً دون حتى استخدام قنبلة واحدة، بدءاً من منع مرضى السرطان من الحصول على العلاج، واستخدام أساليب الفصل العنصري في توزيع المياه، إلى مضايقة الأطباء الفلسطينيين ومنع الوصول إلى التكنولوجيا الصحية الحيوية.
لقد أصبحت كل هذه التكتيكات تُرى الآن أيضاً، بينما ترد “إسرائيل” على المقاومة الفلسطينية. ورغم أن القصف والاستهداف المباشر هي من الأمثلة على العنف الذي تمارسه “إسرائيل”، إلا هجماتها على الرعاية الصحية غالباً ما تكون قاتلة بنفس القدر. على سبيل المثال، قد يموت أكثر من 130 طفلاً فلسطينياً موتاً مؤلماً وصادماً في اللحظة التي تتوقف فيها إمدادات الكهرباء عن مستشفيات غزة، وهو ما هددت “إسرائيل” القيام به. لذلك، من الأهمية بمكان الاعتراف بهذه الجرائم الأقل وضوحاً ووصف الهجمات الإسرائيلية على البنية التحتية للرعاية الصحية بأنها عقاب جماعي وجرائم حرب.