سفينة النجاة!
غسان فطوم
بات واضحاً أن كل عمليات التنمية أصبحت محكومة بأدوات تقانية وكثافة معرفية، ما يعني أن العالم أصبح اليوم يتعامل مع مفهوم رأس المال المعرفي، أكثر من رأس المال المادي، وبذلك باتت المعرفة تمثل القوة الفارقة بين الأمم المتقدمة وكذلك النامية، وهذا بلا شك يحمّل واضعي السياسات ومتخذي القرارات مسؤوليات كبيرة لجهة تحديد الأولويات في بناء بيئة مستدامة تشجع على التحول إلى الاقتصاد المعرفي واستخدام تكنولوجيا المعلومات بالشكل المفيد للتنمية عبر تحليل عميق بعقل هادئ ومبدع يعيد تشكيل المعرفة وفهم كل ما يجري من تطورات ومواجهة التحديات.
ولا شك أن سفينة النجاة وسط هذا الطوفان المخيف هي التعليم العالي بحكم رسالته ودوره وقدرته على التكيّف مع التغيير السريع، ليأخذ بالمحصلة دوره في التنمية المستدامة من خلال وظائفه الثلاث (التعليم – البحث العلمي – خدمة المجتمع)، والسؤال هنا: هل جامعاتنا ومراكزنا البحثية بواقعها الحالي قادرة على مواكبة تطورات ومواجهة تحديات مجتمع المعرفة؟!
العديد من الأكاديميين يرون أن جامعاتنا لم تنجح بعد في استثمار وتوظيف التكنولوجيا الحديثة بشكل جيد، لا فيما يخص العملية التدريسية، ولا حتى فيما يتعلق بدورها في تحقيق التغيير والتنمية المطلوبة. والواضح أنهم يحكمون على الأمر من خلال المخرجات التي لا تتوافق أبداً مع متطلبات وحاجات سوق العمل في القطاعين العام والخاص بمختلف المجالات؛ فتلك المخرجات ما زالت – برأيهم – تركز على الكم أكثر من النوع، عدا عن أن مسؤولية الجامعات والمعاهد العليا تجاه المعرفة ومواكبة تطوراتها ما زالت هي الأخرى غير محققة طالما المناهج تقليدية وأسلوب الحفظ والتلقين سيد الموقف في غالبية الكليات الجامعية، ما يجعل تبني مبادرات الطلبة وأعضاء الهيئة التدريسية أمراً في غاية الصعوبة، إن لم يكن مستحيلاً في ظل عديد العقبات والعراقيل!
بالمختصر، إن الحاجة إلى إصلاح التعليم العالي أصبحت ملحة، فنحن نتوق إلى تعليم عالٍ عصري قادر على إيجاد قاعدة موارد بشرية قادرة على الإبداع بما تمتلكه من كثافة في المعلومات والمعارف العلمية الحديثة، والوصول إلى نظام جودة يعطي البحث العلمي التطبيقي حقه، فما فائدة التغني بعدد المراكز البحثية وأبحاثها النظرية إن لم يتم تطبيقها واستثمارها في عملية التنمية ومواجهة التحديات؟