الأرض شامخة والضمائر هادرة
غالية خوجة
تتلفّت جهات الروح والقلب مع الضوء، فيلتفت الكسوف إلى الغيم، وتمطر حُبّاً على البلاد، وتهدل الحمامات مع أحلام العباد، وتعود الشمس لتشرق أكثر وهي تعانق أرواح الشهداء الذين قضوا والذين ينتظرون، فتفرح الأراضي العربية التي تحررت من ظلمات الاحتلال، وتستعد للفرح أراضٍ عربية على قيد التحرر، وتُزهر الكلمات مجدداً، وتلمع السماء بترابٍ لا يقبل أن يكون إلاّ مجنداً.
التربة الشامخة امتزجت وتمتزج مع الأرواح الطاهرة وتلتقي بأطياف الشهداء ومنهم يوسف العظمة وإبراهيم هنانو وسلطان باشا الأطرش وصالح العلي وشهداء القلعة ومشفى الكندي وشهداء أيار وتشرين التحرير وتشرين فلسطين.
التربة تعلم أن كل إنسان رواية تطويها الأرض ويكتبها ضمير الأنا وترفعها الشفافية إلى السماء، وهذا ما تعلمه تلك الرضيعة التي استشهدت في حلب أو دمشق أو غزة، وتعلمه أمّ الشهيد وهي تحتفل بعيد الجلاء مع جرحى الوطن واليتامى والفقراء والبسطاء، خصوصاً، وأن عيد الجلاء عام 1946 يعانق عيد الانتصار في حرب تشرين التحرير عام 1973، والانتصار الثاني عام 2016، وأن الدم الواحد الشامخ لن يتخلّى عن ذرة تراب واحدة، وهذا ما سيحققه الانتصار الثالث مع استقلال فلسطين العربية والقدس عاصمتها الأبدية.
سيبقى سيف الحق مرفوعاً في وجه كل محتل مهما حشد من دبابات وأسلحة تدميرية متطورة، وسيظل أطفال الحجارة يواجهون المحتل، وسيظل التاريخ يذكر كيف رفرف العلم السوري على ضفاف بحيرة طبريّا، وعلى تراب القنيطرة، ولن تنسى أجيال سوريتنا الحبيبة كيف حافظ القائد والجيش والشعب والقوى الوطنية على سورية في مواجهة الأطماع الأجنبية، لأن سورية وطن إنساني حضاري لا مكان فيه للأفكار الظلامية، وهذا ما تثبته الحياة اليومية للشعب العربي السوري، وهذا ما انبنت عليه ضمائر السوريين الهادرة بالانتماء الوطني أينما كانوا وأقاموا، على عكس أفق توقعات أعدائهم الذين تفنّنوا بتدمير البنى الحياتية المتنوعة، وتدمير المعالم الأثرية كتراث إنساني حضاري، لكنّهم لم يصلوا إلى غاياتهم التفتيتية لأن كل مواطن سوري هو يوسف العظمة بمعنى ما، وكل عربي منتمٍ لهويته وأرضه هو صلاح الدين.