صناعة النسيج وعقدة عدم الربط بين الخطة الإنتاجية والتسويقية
دمشق- محمد العمر
تمرّ صناعة النسيج المحلية بمرحلة حرجة في ظلّ مخاطر تشغيلية كبيرة تواجهها الشركات الإنتاجية فاقت إمكانياتها، وخاصة مع عدم القدرة على تأمين وتوفير إمدادات الوقود والكهرباء بشكل دائم، ناهيك عن الاهتلاكات للخطوط الإنتاجية لبعض الشركات، مما سبّب خسائر كبيرة تضاف إلى عدم وجود مواد أولية كتأمين الخيوط، وخاصة القطن الذي يعدّ مدخلاً إنتاجياً رئيسياً لمصانع الغزل والنسيج بعدما انخفضت كمياته نتيجة الجفاف، وأدّت إلى زيادة التكلفة على الإنتاج.
حسب مراقبين بالاقتصاد، لا تزال الشركات العامة للصناعات النسيجية تعيش أزمة اقتصادية لم تخرج منها منذ سنوات، وذلك نتيجة مجموعة مشكلات منها التخطيطية والفنية والإنتاجية والتسويقية والمالية وأهمها الرقابة في عملها، إذ تقع بعض الشركات في أزمة عدم ربط الخطة الإنتاجية بالخطة التسويقية، فلا فائدة مرجوة من أي سلعة إذا لم تسوّق وتباع، وفي المؤتمر المهني لعمال الصناعات النسيجية الذي عُقد مؤخراً تمّت المطالبة بضرورة حلّ المسائل المتعلقة بالتسويق والتشابكات المالية بين الشركات وإنتاج أصناف مستوردة محلياً كالكومبكت والبوليستر وغيرها من المواد الداخلة بالإنتاج كي تبقى الشركات في موضع منافسة وذات إنتاج سلعة جيدة، والأهم تلبية حاجة الشركات الإنتاجية من حوامل الطاقة بسعر مدعوم يمكنها تخفيض التكاليف والمنافسة في كلّ الأسواق وتأمين الاستقرار بالتيار الكهربائي لما له من أثر كبير في الحفاظ على جاهزية الآلات الفنية والتخفيف من استهلاك القطع التبديلية.
وخرجت التوصيات بضرورة إنشاء مجلس أعلى للغزل والنسيج وحلج وتسويق الأقطان يضمّ كلّ ممثلي هذه الصناعة من قطاع عام وقطاع خاص، ووضع خطة إستراتيجية طويلة الأمد لتعافي هذه الصناعة وعودة الثقة بهذا المنتج بدءاً من الفلاح حتى تسويق المنتج النهائي، خاصة وأن كميات القطن كانت غير كافية لتشغيل شركات الغزل والنسيج، وكان لا بدّ من البحث عن بدائل عاجلة خلال الفترة السابقة لضمان استمرارية الإنتاج والاستفادة من الطاقة التشغيلية للآلات والعمال عبر تدوير المخزونات، لذا فلا يكون الحلّ إلا بدعم محصول القطن عبر صندوق دعم المنتجات الاستراتيجية، وتعديل بعض القوانين التي تعوق المرونة فيما يخصّ الشراء المباشر ضمن ضوابط قانونية تحدّ من الفساد وهدر الوقت.
أرقام متضاربة
الخبير الاقتصادي محمد شريفة أكد أن لدينا في سورية أكثر من 25 شركة للصناعات النسيجية تتوزع بين إنتاج الغزول القطنية والأقمشة والخيوط وألبسة داخلية وجاهزة ونسيج متكامل، ويعمل في هذا القطاع نحو 31 ألف عامل يشكلون 10% من إجمالي القوى العاملة في سورية، ولم تكن الصناعات النسيجية حتى نهاية التسعينات تعاني من أزمة كبيرة، لأنها كانت تعتمد على تصريف كامل منتجاتها بعد إشباع حاجة السوق المحلية.
وبيّن شريفة أن القطاع الخاص بالنسيج العامل بالسوق يعدّ مرناً بإدارته، وخاصة بتسويق إنتاجه، لكن ما تعانيه شركات القطاع العام اليوم وبعد التضخم العالمي، هي أزمة ارتفاع التكاليف وعجزها عن المنافسة والتصريف، وبالتالي تكدس المخازن والمنتجات هو النتيجة، ليشكل ذلك أثراً سلبياً عليها، من تعرض المستودعات لأشكال مختلفة من الضرر كالعطب أو التلف، أو أن تصبح موديلات قديمة لا تنفع مواكبة الحداثة، فلا بدّ من متابعة تصريف مخازين بعض الشركات، وخاصة شركة الشرق ونسيج اللاذقية وشركة الدبس، وتأمين المدخلات الإنتاجية لها والتي تعود بالفائدة على المنتج المحلي في سبيل الابتعاد عن الإنتاج النمطي والوقوف على حاجة السوق من السلع.
ولفت الخبير الاقتصادي إلى خسائر تحدث ببعض الشركات، فمثلاً شركة الساحل للغزل والوليد للغزل، وشركة حماة للخيوط القطنية، وشركة الخيوط القطنية في اللاذقية وغيرها التي يكون التخطيط لديها في كفة مختلفاً، ولكن التنفيذ في وادٍ آخر بأرقام ضعيفة، مما يؤثر على المبيعات ونسبة كبيرة من الخسائر المقدّرة بالمليارات لعدم تنفيذ خطتها الإنتاجية بشكل كامل، على الرغم من أنه يظهر أن هذه الشركات رابحة.
واعتبر شريفة أن تأمين مادة القطن يعدّ أولوية لاستمرار العملية الإنتاجية في شركات الغزل العامة حرصاً على عدم توقف العملية الإنتاجية، وخاصة تعديل تسعير استجرار القطن، ووضع محفزات تسويقية للمزارعين في ظلّ تراجع الكميات الموردة منهم للمحالج وذلك لضمان تسليم كامل إنتاجهم بغية تخفيض الاستيراد.