مطــــــر ربيعــــــي..
موعدهما كان عند تمام العاشرة من صباح ذلك اليوم.. كان يعرف أنها ستأتي إليه عند العاشرة والنصف ودقائق.. ثم تخبره عذراً أجمل من الذنب.. يصدّقها، لأنه إن كذّبها لن يأتي بها ثانية عمر ونصف ووقت ما..
وفعلاً جاءت في الموعد المتأخر لكي تكتمل الحكاية التي دونت في سفر ما، وينبغي أن تبدأ..
لا مفر من اللقاء إذاً حتى حين تكون الأجندة مزدحمة لديه، وأي ازدحام تافه مقابل ذاك اللقاء، فمنذ أبدت موافقة متكاسلة على طلبه اللحوح بموعد هذا الصباح، أهمل بلا أسف التزامات غير ملزمة، وأعمالاً متراكمة بسبب ضيق الوقت الناتج عن مساحة الفراغ العاطفي الواسعة.
لا مفر من اللقاء، فموعدها الطارئ كان مطراً في نهاية الربيع ومن المستحيل تجنّبه.
في مشواره القصير من سيارته حتى دخوله المقهى المكتظ بالعشاق والرفاق، فكّر في استهلال مختلف للحديث مع امرأة قابلها قبل أسبوع في مكان الكتروني ما في هذا العالم الافتراضي الغريب والرهيب، كأن يقول كالعشاق المتسرعين: إنه يشعر بمعرفتها الحقيقة من قبل.. أو إن وجهها مألوف لديه، مرجحاً مصادفتها أثناء حضوره مسرحية أو أمسية موسيقية في مركز ثقافي ما.. ثم رتّب كلاماً من الشعر الكاذب الذي لا تصدّقه سوى امرأة على وشك الحب.. وبدأ يفكر، هل سيكتمل اللقاء إلى مراحله الثلاث كيمياء.. فيزياء.. أحياء.
وصل أخيراً إلى طاولته، وأخذ نفساً عميقاً، ثم استكان إلى قول نزل عليه كالشعر (نهاية الطريق بأي حال جواب)، كان موعدهما بعيداً على ما يبدو.. قبل وقت الحب بقليل.. دخلت هي إلى عتمة المقهى تتنفس بعبارات الاعتذار من التأخر الطارئ، أو الذي جعلته طارئاً لا أدري، وأنها جاءت مهرولة إليه بسبب الشارع المزدحم بكل شيء، وأهمها نظرات المارة، حيث انتابها شعور بأن الكل يعرفها، ويعلم إلى أي موعد ذاهبة في هذا الوقت المبكر من العشق.
تأملها ليقارن الأصل بالصورة الوحيدة التي شاهدها على شاشته الزرقاء.. ولما بدت أجمل، تحمّس في نطق ما أعده مسبقاً.. لا أخشى عليك من خطواتك السريعة نحوي، وكل ما يثير قلقي خطواتي المتسرعة إليك..!.
جرى حديث بين الطرفين عن كل ما يخص الجنون في الحب واللاقيود في الحياة والسينما ووو…إلخ، وجرت أحاديث عصرية أخرى، كانت محصلة لقاء بين رجل متعب وامرأة خالية القلب أبدياً، فيه استعداد صريح للحب، وبدأ بإبراء الذمة من أي شوق للماضي.. انتهى اللقاء بملء المكان الفارغ من قلبه بامرأة جميلة محتملة، وبتعميق إيمانها أن فاقد الحب هو فقط من يعطيه.
وفي لحظات الوداع نظر خطفاً إليها عدة مرات يستدل على نتيجة رضاها، وفعلت هي ذلك بتحفظ أشد.. وبتفاصيل أخرى ترتكب عادة في اللقاء الأول، وتكون طقوساً أخرى لمراسيم نهاية حب سابق.
قالت: أنها ليست من محبي الربيع، ولكنها تحب الجو الماطر عندما لاحظت تكاثف الغيم.. وقال: إنه يحب المشي السريع تحت المطر الخفيف، واتفقا على أشياء أخرى على قيد الحب.. ودعها وهي تقرأ في سرها أمنيتها أن لا تكون الأشياء التي تجمعهما سبب فراقهما الضروري يوماً ما…!.
لينا أحمد نبيعة