ثقافة

رغم الاختلاف حول رسالتها.. الأغنية الوطنية.. تعبير صادق ووجداني عن ارتباط الإنسان بوطنه

مع اختلاف الأزمان والأعمار والأفكار، تبقى الأغنية الوطنية سبيلاً للجميع، ووسيلة للتعبير عن أزماتنا وحروبنا، ووسيلة تعبير عن حب الوطن، وقد كان للأغنية التي قدمتها الفنانة السورية هالة القصير في الحلقة الأخيرة من برنامج “ذا فويس” الذي عُرض على شاشة الـ”mbc”،  كتحية لوطنها سورية وللجيش العربي السوري في هذا الظرف السيىء الذي نعيشه،خصوصيتها، حيث غنت “تعلى وتتعمر يادار” وما كان اختيار القصير لهذه الأغنية إلا لتوجه من خلال البرنامج رسالة إلى العالم بأن بلادنا حاضرة بكل شي رغم حزنها، وقد جسدت بأدائها لهذه الأغنية حالة من الوطنية أعطت صورة عن السوريين وتمسكهم بوطنهم وكرامتهم.
ولا بد من القول إن الأغنية الوطنية كانت في مرحلة سبات وعادت لتستيقظ على واقع مرير يعيشه السوريون، فكان البعض منها مجرد صيحات في الشارع دون أن تترك أثراً لأي شيء، على عكس الأغنية الوطنية القديمة التي كانت تعبر عن حالات متعددة سياسية واقتصادية واجتماعية فكانت قوية بلحنها وكلماتها ومعبرة عن حب الوطن ومشاعره، ومازالت محفورة في وجداننا حتى الآن.

الأغنية الجديدة بلا رقيب
في الواقع، يختلف الكثيرون اليوم أكثر مما يتفقون على أن الأغنية الوطنية الجديدة لا يمكن أن تصل أو ترتقي لمستوى الأغنية القديمة، فيقول الملحن سهيل عرفة: الأغنية القديمة ذات أهداف قيّمة، ولم تقل أهميتها عن دور الدبابة والمدفع وشجاعة الجندي، أما في الوقت الراهن فقد أصبح للأغنية الوطنية رموز جديدة ومفاهيم مختلفة، ووصل الأمر لدرجة أنها أصبحت علامة تجارية -أي شخص لديه إمكانيات مادية يقوم بتسجيل أغنية ويتعاقد مع بعض المحطات لإذاعتها دون حسيب أو رقيب. ويضيف عرفة: اليوم تعتبر مصداقية الأغنية الجديدة نادرة فهي لم تدخل قلوب السوريين وبريقها خافت جداً، فالأغنية تستمر وتعيش لعمر طويل من خلال مصداقيتها التي تجسدها في اللحن والكلام، مؤكداً أن الأغنية الحالية ليست إلا تحصيل حاصل للواقع ولا تعتبر مرآة للحالة الراهنة، وعندما تكون الخيارات محدودة بعدد من الأغاني يمكن الاختيار، لكن عندما يتم تسجيل عدد لا يستهان به من الأغاني وجميعها متقاربة من حيث اللحن والكلام يصبح الأمر صعباً، وهذا الانحراف الذوقي أسبابه متعددة، وأهمها غياب الوعي الموسيقي في الوسط الفني، فالكثير منهم لا يملكون الموهبة والثقافة الموسيقية التي تؤهلهم لتقديم عمل جميل.

أغنيات الزمن الجميل
وفي المقابل، يمكن أن تكون هذه المرحلة فرصة مناسبة للجيل الجديد لتقديم شيء للوطن، ولكنه لم يصل إلى قلوب السوريين كما فعل سلامة الأغواني، صاحب العديد من المونولوجات التي عبر من خلالها رفضه للانتداب الفرنسي، مروراً بالعديد من الأغنيات الراسخة في ذهن السوريين وقلوبهم مثل “سورية ياحبيبتي” و”بكتب اسمك يابلادي” فتقول الإعلامية هيام الحموي: هناك من حاول التعبير عن حسه الوطني ولم يبخل عليه في تقديم ما يمكنه ، محاولاً التعبير عن حبه العميق للوطن، فهو في أزمة ويجب الوقوف إلى جانبه، ولكن تبقى طلبات المستمعين عبر الإذاعة تميل للأغنية القديمة فتقديرهم لها ليس مجرد حنين للماضي، وإنما لأنها بقيت في الذاكرة مجتازة جميع الأزمات، ففي السنوات الأخيرة وخلال الأزمة لم تعد الأغنية قادرة على تقديم مستوى الجمال الذي كانت تقدمه من قبل، فقد كان المطربون مدركين لمفردات النغمة الموسيقية وكانت الألحان جميلة تعكس المستوى العام للذوق والموهبة والإبداع. وتتابع الحموي: يجب على الأغنية الوطنية أن تكون كلمتها سهلة وتعبر عما يشعر به  الإنسان بفطرته، فمثلاً أغنية “نازل على حمص”، وأغنية رفيق سبيعي، استطاعتا شد المستمعين لهذه العبارات البسيطة والتمعن بها ووصفها بقصة صغيرة ذات معنى حقيقي يدعو للتفاؤل.

الأغنية الوطنية سلاح
ولم تتفق الإذاعات على تنوعها حول الأغنية الوطنية الجديدة، فإذاعة سوريانا التي ساهمت في نشر هذه الأغاني ترى أنها أثبتت وجودها خلال هذه الأزمة، فيقول مدير الإذاعة جمال الشيخ بكري: في إذاعتنا نركز على الكلمة التي تعتبر كالسيف وتعادل قوة المدفع والصاروخ، وأنا أجد أن الأغنية الوطنية الجديدة المحلية مميزة على الساحة، وأن مواطننا لديه الكثير من الأفكار والإبداع لذلك فتحت الإذاعة الأبواب لقبول أي أغنية تقدم من أنحاء سورية إلى دائرة الموسيقى في الإذاعة، ويتم اختيار أفضل الكلمات لتلحن وتذاع على القناة، وذلك بهدف تشجيع الأغنية الوطنية وتنشيط الروح وإظهار دور الجيش المغوار. ويتابع: في الواقع الأغنية الوطنية اللحظية (الجديدة) قوتها كقوة المدفع والرشاش لأنها بمثابة خذلان للباطل وصفعة بوجه المعتدين، وقوة للناس الذين يحبون الوطن ويحافظون عليه، فالأغنية الوطنية سلاح يجب الحفاظ عليها لأنها تعبر عن الحس الوطني الذي نطلبه ونحتاجه دائماً.
الوطن هو الأغنية الأجمل
وبعيداً عن التأييد والاختلاف كان للشاعر والملحن سعدو الديب رأي محايد عن الأغنية الوطنية فقال: حملت الأغنية والأناشيد الوطنية نفس المشاعر والأحاسيس التي يعيشها الإنسان في سورية، فجاءت تعبيراً صادقاً عن عمق ارتباط المرء بأرضه ووطنه، وصناعة أغنية اليوم هي بمثابة التعبير عن البطولات، فهي لا تحتاج إلى التأني في النظم والقوافي، بل تخرج من القلب إلى القلب، ويبقى الوطن الأغنية الأجمل والأهزوجة التي تعبر عن حب هذه الأرض والتضحية من أجلها، فذاكرة الأجداد عملية عقلية جدلية تتكامل فيها عقول الأجيال زماناً ومكاناً، وهي باقية ومتوارثة من جيل إلى جيل مع بعض التغييرات الضرورية لكل عصر وزمن.

وليدة اللحظة
وخلال هذه الأزمة التي نعيشها في سورية على كل المستويات كان بمقدور الطفل الصغير تمييز الأغنية الوطنية التي فيها حس وطني ويستطيع الانفعال والتأقلم معها وتمييزها إن كانت مناسبة أم مجرد أغنية عابرة أو صيحة من هذه الصيحات الجديدة. وللجيل الجديد رأي في الأغنية الوطنية فمنهم من فضل البدء بمشواره الفني بأغنية وطنية لسورية لأنه يمر بأزمة صعبة مثل نور عرقسوسي، ومنهم من أخذ الجانب الوطني فيقول الفنان الشاب مضر أيوب، الذي قدم أغنية وطنية بعنوان “وانتصرنا”: أعتقد أن الأغنية الوطنية لم تعبر كفاية عن الوضع الراهن بقدر ما كانت وليدة اللحظة والموقف العفوي الذي رافق الأزمة والمؤامرة، فكانت إسعافية أكثر لأنها كانت على مدى سنوات عديدة مقتصرة على المناسبات الوطنية الرسمية، ولكنها كانت مشجعة ومحفزة لكل فئات الشعب للوقوف جنباً إلى جنب مع الجيش والدولة. ومن وجهة نظري أن الأغنية الوطنية القديمة كانت ثورية وحماسية أكثر وبعضها بقي في الوجدان السوري والعربي وحتى الآن نشعر بروح المقاومة عند سماعها، ولا أريد أن أظلم الأغنية الوطنية الحديثة التي أثبتت وجوداً كبيراً وساهمت في نشر المحبة والتحدي والصمود لكل ما يحدث على الأرض السورية، وكانت داعمة لبطولات جيشنا الغالي، أما الأغنية الحالية فهي تحاكي ظروف المرحلة، وبالتالي هي موجودة لنفس الهدف ولكن ضمن إطار مختلف.
لقد تفاوتت الآراء حول الأغنية الوطنية المرتبطة بلحظة الحدث، وبين رسالتها التي تمتد على مر التاريخ مخاطبة وجدان الناس في كل لحظة، لنرى أنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بنبض الوطن، وهي ليست كلمات فنية مغناة وملحنة لها وقعها على أذن وعقل ووجدان السامع فقط، وإنما أيضاً هي ضرورة ثقافية حضارية، ربما يكون قد آن الأوان لنخرج بها من حيز المناسباتية لتصبح مسموعة من حين لآخر، وليس بالضرورة في المناسبات الوطنية فقط، ليكون مصيرها مصير بقية أنواع الأغاني.
جمان بركات