اقتصاد

“فوركس.. فورمولا ون”..

ذكّرتني ما يطلق عليها مكاتب “الفوركس” بلقاء مع أحد المستثمرين الوطنيين الكبار في قطاعنا السياحي، وكان ذلك قبل الأزمة الحالية بسنوات، يومها سرّ لي بمعلومة لم تكن واضحة للعيان، لكنها كانت معروفة وربما مدعومة من “الأعوان”..
قال: هل تعلم أن ما تسمى شركات سياحية تحت عنوان “سياحة وسفر” -علماً أنها مكاتب لا تتعدّى مساحة الواحد منها بضع عشرات من الأمتار- ما هي إلا وجهات لتصريف العملة في الشق الأغلب من نشاطها.
بين الأمس والحاضر وعلى ما يبدو تواصل جلي لم ينقطع، لكنّه يتحوّر وفق متغيّرات الحالة والظروف وبعناوين مختلفة لكنها من الأس ذاته، ولعل هذا ما دفع رئيس الحكومة إلى الإعلان أن الأزمة أفرزت مظاهر جديدة للفساد لم تكن موجودة سابقاً..
كما يقال بالعامية “ما علينا..”، ولنرجع إلى موضوع “الفوكس” وقانونية وجودها ودوره وأثر هذا الدور وخاصة في موضوع تصريف العملة..
الكل يُجمع خبراء ومختصين حكوميين وجهاتهم أن مكاتب “الفوكس” التي تمر بمرحلة انتعاش لا سابق لها، هي بحكم وقوة القانون السوري ممنوعة من الاشتغال بتجارة العملات الأجنبية، ورغم ذلك لا تزال حاضرة وبفعالية في سوقنا السوداء..، والسؤال: أين الرقابة المعنية بحماية عملتنا الوطنية وسعر صرفها من المتلاعبين المضاربين في السوق؟!.
اتهام رئيس جمعية الصاغة الصريح لتلك المكاتب والمتلاعبين بسعر الصرف، يدفعنا معه إلى الاستغراب أيضاً من الارتفاعات المتلاحقة والمتعارضة –وفق رأيه– مع التراجع العالمي في سعر أونصة الذهب، اتهام يأتي من العارفين بشعاب مكة وإلى أين تقود..، ولن نقول أكثر.
وحسب رئيس مجلس مفوضي هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية، زعمُ بعض المكاتب والشركات أنها تحمل تراخيص، ما هو إلا نوع من التضليل والتلاعب على القوانين، فالتراخيص للوساطة والتعامل بالقطع داخل البلد معروفة، فإما شركات وساطة مالية كتلك التي تعمل في السوق السورية، وتتوسط العلاقة بين المستثمر وسوق دمشق للأوراق المالية، وإما شركات ومؤسسات ومكاتب الصرافة المرخصة، وسوى ذلك لا تراخيص لمكاتب وشركات الوساطة خارج سورية، أي المتاجرة بالقطع الأجنبي والأسهم خارج سورية.
وأكثر من ذلك فقد قامت الهيئة سابقاً بتنظيم عدد من الضبوط بحق مكاتب تتعامل بـ”الفوركس”، وكانت هناك دعاوى قضائية حكمت فيها المحاكم المختصة بالغرامة المالية والعفو من الحبس لشموله بمراسيم العفو العديدة التي صدرت في السنوات الأخيرة..، ولكن كأنك “يا أبو زيد ما غزيت”!.
أيضاً ها هي مؤسسة البريد تمنع شركة “إكس برس” من ممارسة خدمة الحوالات البريدية لتعاملها بغير العملة السورية.
أمثلة لا يمكن تغطيتها بغربال، ولا هي أحجية مستعصية الحل، وخاصة أن كل ما فيها ليس مجهولاً، بل معلوم الأركان، ومع هذا تسابق مكاتب الفوركس تلك سيارات الـ”فورمولا ون” في سرعة تحكمها بسوق صرف العملات، ليبقى أبسط المطالب رهناً بذلك القادر على إحداث نوع من الفرملة على أقل تقدير، عل وعسى يخفف ما أمكن من هذا الجنون الذي ينعكس ببالغ السلبية على المواطنين والاقتصاد الوطني وبالمحصلة على مصير الوطن.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com