ثقافة

تيسير السعدي (شيخ الكار) في الفن السوري

(أتذكر..لشدة عشقي للفن أن قلبي كان ينبض بسرعة كبيرة حين كنت احضر عرضا مسرحيا، والهث واضطرب ولا اعرف ماذا ينتابني؟! كعاشق يتحضر للقاء حبيبته ..أما حينما كنت أمثل في مسرحية ما فإنني أنسى نفسي تماما حتى في البروفات..) هذا ما قاله الفنان الراحل تيسير السعدي في حوار طويل معه أجراه الروائي والصحفي وفيق يوسف ونشرته المؤسسة العامة للسينما ضمن سلسلة الفن السابع.
الفنان السعدي المولود في دمشق عام 1917 عانى كغيره من قساوة مشايخ الكتاب وصقيع غرفهم حين كان يتعلم القراءة والكتابة (كان الذهاب إلى الكتاب رعبا حقيقيا وكانت الدراسة مقتصرة على القرآن وبعض الحساب…) ولحسن حظه انتقل السعدي إلى مدرسة البحصة في العشرينيات من القرن الماضي ومنها حصل على الشهادة الابتدائية، وبعدها تابع الدراسة في (اللاييك) معهد الحرية وكان عمره آنذاك ثلاثة عشر عاما وفي تلك الفترة (أتيحت لي الفرصة للانفتاح على الحياة والاطلاع على الفن فهناك المسرح والفن والتشكيل والموسيقى) هذا كله اكتشفه السعدي في معهد الحرية (فالفرنسيون كانوا مهتمين بنشر الثقافة حيث كانوا يرسلون فرقا مسرحية إلى سورية)، وكانت نقطة التحول في حياة السعدي يوم مجيء فرقة مسرحية فرنسية وبحثهم بين التلاميذ عن فتى يمثل احد ولدي جوكاستا في مسرحية (أوديب)، فوقع الاختيار على السعدي كونه يحمل ملامح إغريقية (وهكذا رحت أقف على الخشبة أراقب الأداء المذهل للفنانين الفرنسيين ..أصوات مدربة، تعبير، إحساس…)ومنذ تلك اللحظة أحب السعدي مهنة التمثيل وأخلص لها.
بعد الثانوية سافر السعدي إلى القاهرة لدراسة الفن، وهناك تعرف إلى إحسان عبد القدوس ووالده محمد وكان من بين من حاضر في معهد التمثيل عميد الأدب العربي طه حسين، حيث كان يدرس المسرح والفن اليوناني..وخلال تواجده في القاهرة وقف السعدي أمام فاتن حمامة في أول فيلم سينمائي لها وهو فيلم (الهانم) من إخراج بركات عام 1946..
كما عمل في الأربعينيات في إذاعة الشرق الأدنى (BBC) وبقي فترة طويلة نسبيا يعمل في تمثيلياتها حتى عام 1956 حيث قاطعها الفنانون العرب اثر العدوان على مصر..وخلال تلك الفترة توطدت صداقة السعدي مع الفنان الشعبي الشهير حكمت محسن.
بعد عودته من مصر أصر السعدي على تكريس اللهجة الشامية في التمثيليات الإذاعية، فقد كانت اللهجة المصرية هي المسيطرة (قررنا تقديم أعمالنا باللهجة الشامية فأسسنا (الفرقة السورية) وتعاملنا مع كاتب درامي هو عبد الوهاب الدركزنلي وهو أول من اخترع الشخصيات الشعبية (أم كامل- أبو صياح- أبو فهمي…وكنا نقدم أعمالنا من إذاعة دمشق على الهواء مباشرة..فلم يكن هناك تسجيل..وكنا نتشارك جميعا في كتابة القصص..).
عايش السعدي عصور الفن وتطوراتها (الحكواتي السينما الصامتة – السينما الناطقة..الملونة، الفونوغراف- المسرح، الإذاعة، تلفزيون الأبيض والأسود..الملون- القنوات الفضائية…كل ذلك عايشته وعملت فيه..)، فالسعدي خزّن في ذاكرته فنون قرن من الزمان تقريبا،  فقد عمل مع نزيه الشهبندر في فيلم (نور وظلام) وهو أول فيلم سوري ناطق، لكن لم يعمل ممثلا بل كفني، ثم شارك في فيلم “الرجل” مع المخرج فيصل الياسري، فالسينما السورية حسب السعدي (مجموعة مخرجين جالسين خلف طاولات مهترئة محملين بدروس حفظوها من مدرسيهم في معاهد الاتحاد السوفييتي وكل منهم يكتب عن نفسه ولا أحد يشاهد أفلامهم التي لا نسمع عنها إلا حين نيلها الجوائز في المهرجانات..).
في المسرح يعتبر السعدي أن أهم دور قام به هو “قيس” في مسرحية “مجنون ليلى” لأحمد شوقي، وحضر العرض آنذاك رئيس الجمهورية تاج الدين الحسيني كما حضر عروضه العديد من الزعماء الوطنيين أمثال خالد العظم وشكري القوتلي… وقدم (مجنون ليلى) قبل سفره إلى مصر، وهذه المسرحية كانت السبب المباشر لدراسته الفن في مصر..كما عمل السعدي في عدة مسرحيات منها: هاملت ولويس الثالث عشر ضمن فرقة (نادي الفنون الجميلة).
لكن المجال الذي تجلى فيه السعدي وحقق نجوميته كان (الإذاعة)، فمن منا لا يعرف مسلسل (صابر وصبرية)؟ هذا المسلسل الذي امتد لسنوات طويلة بدءا من عام 1953 وحقق شهرة كبيرة بفضل الثنائي السعدي وزوجته صبا المحمودي..(المسلسل كان فكرتي ويعود لبدايات عملي بالإذاعة كمخرج، حيث التقيت بالكاتب الموهوب (وليد مارديني) يقول السعدي عن الإذاعة: (نحن جيل يعرف ماذا تعني الإذاعة فلقد تدربنا على يد كبار الخبراء الانكليز في إذاعة الشرق الأدنى فهم لم يدربونا على سينما الأذن فقط بل على فن التشويق).
أما في شأن القراءة والثقافة فيكّن السعدي احتراما كبير للمحامي والكاتب نجاة قصاب حسن الذي عرّفه على مكتبة ضخمة للحزب الشيوعي قرأ فيها مجموعة كبيرة من الكتب، لكنه بقي طيلة حياته رافضا التحزب لأي تيار سياسي لأنه (يعتبر أن الشعب كله زبائن عند الفنان وعندما يتحزب الفنان يصبح منتميا لفئة اجتماعية ضد أخرى).

أحمد خليل