عاصفة قادمة تهدد العلاقات عبر الأطلسي
عناية ناصر
ساعدت التطورات الأخيرة في واشنطن، وخاصة تعيين مايك بومبيو وزيراً للخارجية، وفرض رسوم جمركية على واردات الألمنيوم والصلب، وفي أوروبا التي ضعفت سياستها الخارجية نتيجة تركيزها على شؤونها الداخلية، على خلق ما قد يصبح أسوأ توتر في العلاقات عبر الأطلسي منذ أزمة الحرب على العراق عام 2003.
وبخلاف الانقسام حول العراق, والمعارضة الفرنسية الألمانية للتدخل الأمريكي هناك، تقوم الأزمة الجديدة على مجموعة من القضايا المعقدة التي سيكون من الصعب حلها.
كان الترحيب الأوروبي بإقالة ريكس تيلرسون، وتعيين بومبيو المتحدر من جذور ايطالية بدلاً منه، مشوباً بالحذر والقلق. فقد كان تيلرسون، الذي فضل الدبلوماسية التقليدية، يتفق مع نظرائه في الاتحاد الأوروبي حول القضايا الرئيسية مثل إيران, والتغير المناخي، وهو أحد المسؤولين الأمريكيين الذين سعوا لطمأنة الأوروبيين بأن الولايات المتحدة مازالت ملتزمة بالتحالف عبر الأطلسي. أما بومبيو الخبير في شؤون الأمن القومي، لكنه يفتقر إلى الخبرة الدبلوماسية، فهو يشاطر ترامب وجهات نظره المتشددة بشأن معظم القضايا الدولية, فيما يركز الأوروبيون على الدبلوماسية أكثر من تركيزهم على استخدام القوة.
وعلى الرغم من أن وجهات نظر بومبيو حول أوروبا غير معروفة بعد، إلا أنه قد يصطدم مع المسؤولين الأوروبيين بشأن مجموعة من القضايا في ضوء تصريحاته السابقة، وتفضيله، مثلاً، تغيير الأنظمة في بعض الدول كإيران، وكوريا الديمقراطية.
من ناحية أخرى، إذا تمكن بومبيو من إعادة تنشيط وزارة الخارجية، وتحسين إدارة الدبلوماسية الأمريكية بشكل أفضل مما فعله تيلرسون، فإن ذلك سيكون موضع ترحيب في العديد من العواصم الأوروبية، وسوف يسهل التعاون في القضايا المتفق فيها على جانبي الأطلسي.
حقيقة، توترت العلاقات عبر الأطلسي منذ فترة طويلة قبل انتخاب ترامب عام 2016، نتيجة لخفض الإنفاقات السياسية والدبلوماسية الأمريكية في أوروبا- وهو ما بدأ في عهد إدارة أوباما- وتزايد الاختلاف في تفضيلات السياسة بين الولايات المتحدة والزعماء الأوروبيين.
نتجت الخلافات الحالية عن تحرك إدارة ترامب لتطبيق أفكار رئيس هو الأكثر تطرفاً كالرسوم الجمركية، واحتمال إلغاء الاتفاق النووي الإيراني الذي يحظى بدعم الأوروبيين.
فإذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، فإن ذلك بحد ذاته يمكن أن يتسبب في تصدع خطير مع أوروبا التي تعتبر الولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب شريكاً غير موثوق به، ذلك أن خطوة إدارة ترامب بنشر معدات وقوات عسكرية أمريكية في أوروبا الشرقية، العام الماضي، أثارت المخاوف حيال مدى التزام ترامب بحلف الناتو، نظراً لتصريحاته السابقة حول الحلفاء الذين لا يدفعون حصتهم العادلة من العبء العسكري.
انتقل ترامب لتحويل انتقاده لدول أوروبا- “المنتفعة بالمجان وتستغل الولايات المتحدة اقتصادياً”- إلى إجراءات ملموسة من خلال فرض رسوم على الصلب والألمنيوم.
دفع تأطير ترامب لقضية الرسوم الجمركية، واعتبارها قضية من قضايا الأمن القومي، المفوض التجاري في الاتحاد الأوروبي سيسيليا مالمستروم للتساؤل: “أليس الأوروبيون حلفاء للولايات المتحدة، فكيف تعتبرهم تهديداً للأمن القومي الأمريكي؟”.
وأعرب رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، عن هذا القلق، وتحدى ترامب باستئناف المفاوضات المتعثرة بشأن اتفاقية التجارة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، شراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسي (TTIP)، بدلاً من خوض حرب تجارية.
كما أشارت ناتالي نوغايريد، الكاتبة في صحيفة الغارديان، إلى أن رسوم ترامب الجمركية يمكن أن تكون قد أطلقت بالفعل لتفكيك الاتحاد الأوروبي في ضوء تعليقات ترامب المتكررة حول التفاوض على صفقة تجارية مع المملكة المتحدة بمجرد إتمام خروج بريطانيا من الاتحاد، واقتراحه بأنه قد يشجع بولندا- الدولة الوحيدة التي امتدحها في الاتحاد– على الانفصال.
وقد شهدت أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية التي بدأت فترة ولايتها الرابعة، بأن مكانتها داخل ألمانيا والاتحاد الأوروبي قد تراجعت بعد حوالي نصف عام من المفاوضات على تشكيل ائتلاف جديد، وإضافة إلى ذلك، فإن تحامل ترامب المتكرر على ألمانيا يجعل من الصعب عليها التوسط بشأن موضوع الانقسام الأطلسي.
وتحاول ميركل، ومعها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، إصلاح الاتحاد الأوروبي، لكن هذا الجهد فشل في الحصول على دعم بعض دوائر الاتحاد الأوروبي، وسيكون أصعب بكثير، وذلك لظهور الحركات الشعوبية في دول مثل ايطاليا التي من المحتمل أن تكون لديها قريباً حكومة تشكك في الاتحاد الأوروبي والناتو.
إذاً تساهم مجموعة واسعة من القضايا التي تفرق حالياً بين الحلفاء عبر الأطلسي، و”إطلاق العنان” لسلطة الرئيس الأمريكي ترامب، في حدوث انقسامات خطيرة ومتزايدة. وللتصدي لها، يقول الخبراء: إن على إدارة ترامب أن تعيد النظر في رسومها الجمركية، إما عن طريق تقديم إعفاءات لأوروبا، أو توجيهها مباشرة إلى الصين، ودعم جهود الاتحاد الأوروبي لتطوير دعامة أوروبية داخل الناتو.