مملكة آل سعود تسترضي ترامب على حساب الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني
هيفاء علي
تسعى مملكة آل سعود يائسة لتحقيق “نصر” ما بعد الإخفاقات المتكررة التي منيت بها سياستها الخارجية في الشرق الأوسط. ففي سورية، فشلت مملكة النفط في إسقاط الدولة السورية على الرغم من عشرات مليارات الدولارات التي أنفقتها لتحقيق هذا الهدف، إضافة إلى إقدامها على إطلاق سراح الجهاديين من سجونها وتسهيل انتقالهم إلى سورية لجعلها “دولة ضعيفة” غير قادرة على معارضة توسيع دائرة انتشار الوهابية وتوسع إسرائيل. وفي اليمن، قُتل أكثر من 40،000 شخص جراء القصف العشوائي الذي تنفذه الطائرات السعودية والإماراتية على أفقر دول الشرق الأوسط. ونتيجة لذلك، يحتاج 22 مليون شخص إلى المساعدات الإنسانية على وجه السرعة، وفقا لبرنامج الأمم المتحدة العالمي للغذاء. أما في العراق، فقد تمكنت الحكومة المركزية في بغداد من تجنب التقسيم، الأمر الذي شكل أكبر خيبة وهزيمة للسعوديين. وفي لبنان، مني حلفاء السعودية بخسارة كبيرة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
وعليه، لم يبق أمام السعودية من أمل سوى الملف الفلسطيني لتحقيق تقدم ما. فقد لفتت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية اليومية إلى لقاء سري حصل بين ولي العهد السعودي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القصر الملكي الأردني في عمان قبل أيام. تم تسريب الخبر إلى الصحافة في محاولة من الإسرائيليين لتفادي المساءلة المباشرة. ومن الواضح أن إسرائيل تسعى قدر الإمكان للاستفادة من رئاسة دونالد ترامب للحصول على أكبر قدر ممكن من التنازلات، التي لم يمنحها أي رئيس أمريكي آخر حتى الآن. بدأ ترامب بتهديد مشيخات النفط، قائلا أنه لولا حماية قواته لها من خلال القواعد الأمريكية المنتشرة فيها، لما كانت في السلطة اليوم، وأنه إذا أرادت الاستمرار بالتمتع بهذه الحماية فان عليها أن تدفع!
مضى ترامب أبعد من ذلك، وفرض فواتير باهظة على السعودية وصفت بـ “الاتفاقات التجارية”. كما استفاد من الخنوع الخليجي وقبوله بهذه العلاقة ذات الاتجاه الواحد من خلال معاملة ولي العهد السعودي بقسوة لحثه على تسريع تطبيع العلاقات مع إسرائيل. ولـ “حماية” المملكة، لم تكتف العائلة السعودية الحاكمة بإرسال وفد إلى إسرائيل، بل غضت الطرف عن اعتراف الولايات المتحدة بـ “القدس عاصمة إسرائيل”.
وكانت البحرين والإمارات العربية المتحدة وقطر قد سبقت السعودية في إشهار علاقاتها مع تل أبيب. إلا أن لمملكة آل سعود وضعا خاصا بالنسبة للكيان الإسرائيلي كونها تضم الكعبة المقدسة التي بناها النبي إبراهيم، والتي يحج إليها سنويا عشرات الملايين من المسلمين. “من هنا تنبع أهمية الاجتماع بين ولي العهد السعودي ورئيس الوزراء نتنياهو”، بحسب الصحافة الإسرائيلية، وتلك هي نقطة الانطلاق لترسيخ العلاقات والاعتراف السعودي رسميا بإسرائيل ليشكل جزء من “صفقة القرن” المبرمة بين ترامب وإسرائيل.
في الواقع، تستعد الولايات المتحدة للإعلان عن “صفقة القرن” من جانب واحد، لأن الفلسطينيين، الطرف الرئيسي المعني، يرفضون أي اتفاق يؤسس لجعل القدس عاصمة لإسرائيل، ويمنع حق العودة للاجئين الفلسطينيين، ويفصل غزة عن الضفة الغربية. وكما هو متوقع، سيطلب ترامب من السعودية، والإمارات، تمويل هذه الصفقة من خلال تقديم حوافز مالية للسلطة الفلسطينية، وإلا سيفرض عليها عقوبات أقوى بعدما اقتطعت الولايات المتحدة 65 مليون دولار من المساعدات التي تقدمها لوكالة الغوث لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) هذا العام، إذ تتهم إسرائيل الأونروا بـ “المساهمة في زيادة عدد اللاجئين الفلسطينيين بدلا من العمل على تخفيضه”. هذه الشكوى من قبل إسرائيل تهدف إلى رفض إمكانية عودة جميع اللاجئين إلى فلسطين.
لقد قاطع الرئيس الفلسطيني محمود عباس الإدارة الأمريكية وانتقدها بشدة منذ الاعتراف غير القانوني بالقدس عاصمة لإسرائيل، لذلك هناك حاجة أمريكية وإسرائيلية ماسة لمشاركة السعودية في هذه الصفقة. عباس رفض أيضا الاجتماع مع جاريد كوشنر، كبير المستشارين وصهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وجيسون غرينبلات، المبعوث الخاص من قبل ترامب للمفاوضات الدولية. ويعلم عباس أنه لا يستطيع اتخاذ أي قرار من تلقاء نفسه أيا كان الضغط الأمريكي أو السعودي على موقفه.
إن دعم مشيخات الخليج لقرار ترامب حول القدس، وكل خياراته السياسية الأخرى التي تفيد إسرائيل على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، يساهم في عزل السعودية أكثر فأكثر عن الشعوب العربية والإسلامية. إسرائيل والولايات المتحدة أشركتا مملكة آل سعود لإضفاء الشرعية على” صفقة القرن”، وعليه، من المناسب التذكير بأن الأراضي الفلسطينية المحتلة تتعرض لهجوم إسرائيلي وحشي منذ إعلان ترامب “القدس عاصمة لإسرائيل”، ومع ذلك سيستمر الفلسطينيون في المقاومة وتأجيج الوضع مهما كانت الخسائر طالما يُطلب منهم التخلي عن حقوقهم المشروعة التي لن يتخلوا عنها مهما دعم السعوديون أحلام إسرائيل.
صحيح أن ولي العهد السعودي يمتلك وسائل الضغط على الملك عبدلله، ملك الأردن، باستخدام سلطته المالية وتقديم حلول لازمته الاقتصادية التي تهز عرش سلطته، إلا أنه لن يكون بمقدور مملكة آل سعود تسليم القدس إلى ترامب أو نتنياهو لأن المسجد الأقصى لكل المسلمين والمؤمنين وليس فقط للفلسطينيين.