ثقافة

كفاح الأرمن من أجل عروبة لواء الاسكندرونة

يشكل الأرمن ثالث فئة سكانية في لواء الاسكندرونة بعد العرب والترك، وتزيد نسبتهم على 13%، وهم من مواطني اللواء منذ ألفي عام. وقد تصدى كتّابهم إلى قضية اللواء بالدراسة، ومنها: “قضية الاسكندرونة والدبلوماسية الدولية 1936-1939” بالأرمنية تأليف أليشان بايرميان. ورسالة أفاديس سانجيان “لواء الاسكندرونة- دراسة في العلاقات الفرنسية –التركية- السورية”، المقدمة إلى جامعة ميتشيغان. ورسالة الدكتوراه لابن دمشق سورين سرايداريان المقدمة إلى جامعة فيينا بالنمسا باللغة الألمانية “لواء الاسكندرونة- استقصاء قانوني للصراع”، ويعرض فيها كيفية طرح المشكلة على هيئة الأمم وكأنه دفاع محامٍ. وأيضاً رسالة الدكتوراه “أزمة الاسكندرونة التي أنجزها والترتشارلز باندازيان في كلية الدراسات العليا ميتشيغان. وأخيراً الكتاب الذي نعرضه من ترجمة الكسندر كشيشيان. وهذه الكتب مترجمة للعربية بدمشق.
يتناول الكتاب كفاح السوريين اللوائيين الأرمن، منذ بدايات قضية الاسكندرونة وحتى نهايتها المفجعة للوطن الأم سورية، ولهم أيضاً، إذ هاجر زهاء /40/ ألف سوري لوائي أرمني إلى حلب وبيروت ودمشق ودول الاغتراب، عقب ضم اللواء إلى تركيا، تاركين أملاكهم وأراضيهم وبيوتهم وتاريخهم وقبور موتاهم، حتى أن قرى جبل موسى، مثل: خضربيك، بيتياس، الكبوسية، سورتمة، يوغون اولوق، حجي حببلي، المغاير، الوقف، صارت شبه خاوية من سكانها.
الكتاب عبارة عن يوميات كفاح الأرمن والعرب من أجل إبقاء اللواء ضمن وطنه الأم، ويبدأ منذ وصول اللجنة الدولية لاستقصاء الوضع في اللواء بداية عام 1937، وبفضل اللحمة الوطنية بين أبناء اللواء – ومنهم الأتراك الذين وقفوا مع العرب وضد كمال أتاتورك- والحفاوة والمظاهرات التي شاهدتها اللجنة في الاسكندرونة وقرق خان والسويدية والريحانية وانطاكية، تبين للجنة أنه لا توجد خلافات بين جميع عناصر سكان اللواء المختلفة، وغالبيتهم يعارضون ضم اللواء إلى تركيا وهو أساساً جزء لا يتجزأ من سورية الشمالية.
شكل تقرير اللجنة هذه بداية قضية الاسكندرونة لأن فرنسا حادت عن الناحية القانونية واتجهت إلى الناحية السياسية، لأن صك الانتداب يلزمها الحفاظ على الأراضي السورية، فعملت على إصدار ما يُعرف بـ “اتفاقية جنيف” واستقلال اللواء الذاتي ضمن سورية التي ترعى مصالحه الخارجية ويشترك معها في  النقد والجمارك والبريد، ولتنفيذ ذلك جاءت لجنة الانتخابات الدولية لمعرفة رغبات السكان.
وظهر الكفاح بأوسع صوره عند قدوم اللجنة الدولية للانتخابات إلى اللواء. لقد قام الوطنيون اللوائيون الأرمن بذلك الجانب الوطني بإخلاص وشجاعة وشرف، وإلى جانب مشاركتهم ضمن اللواء، عملوا على نقل آلاف اللوائيين الأرمن من بيروت ودمشق وحلب وغيرها، إلى مكان قيدهم في سجلات النفوذ في اللواء لممارسة حقهم، وكان من نتائج التسجيل الباهر أن /65%/ من سكان اللواء سجلوا أسماءهم في اللائحة الوطنية التي تطالب بإبقاء اللواء ضمن الأراضي السورية. إلَّا إن الخيانة الفرنسية كانت اكبر من ذلك، إذ سمحت بدخول /2500/ جندي تركي، احتلوا القسم الشمالي من اللواء، وأقاموا فيه ما يسمى “دولة هاتاي” التي ضُمت لاحقاً إلى تركيا. عندئذ هاجر أرمن اللواء تاركين مسقط رأسهم ووطن أجدادهم، وانتشروا- مرّحباً بهم – في جميع المدن السورية واللبنانية.
يوثق الكتاب دفاع الأرمن عن عروبة اللواء، وما قاموا به من مظاهرات واحتجاجات وصدامات وتضحيات ومقاومة ضمن لجنة الدفاع عن عروبة اللواء، وأيضاً عصبة العمل القومي وخارجهما، وعلى مدى ثلاث سنوات بين 1936-1939. وهذا ما يؤكده عبد الرحمن الشهبندر قائلاً: “أظهر /40/ ألف أرمني في لواء الاسكندرونة، أنهم مواطنون مخلصون جداً وكانت علاقة الأرمن مع العرب عبر التاريخ جيدة دائماً، ووقوفهم الصامد والمبدئي  في أيام محنة اللواء، وطد العلاقة العربية أكثر فأكثر.
يورد الكتاب في صفحاته الأخيرة، تواريخ مهمة في حياة اللواء، وثبّت بالمصادر والمراجع والصحف التي دونت يومياً هذا النضال واللحمة والتي يتجاوز مجموعها كافة /170/ مادة، تفيد في الرجوع إلى قضية الاسكندرونة واستقصاء ملابساتها.
د. نديم شمسين