ثقافة

الشعر المغنى لشاعر الياسمين نزار قباني في “أبو رمانة”

“لو لم يكن نزار قباني شاعراً كان موسيقياً” بهذه الكلمات بدأ الباحث الموسيقي وضاح رجب باشا محاضرته الشهرية من سلسلة موسيقا الزمن الجميل “الشعر المغنى لشاعر الياسمين” في المركز الثقافي العربي في (أبو رمانة) نزار قباني الذي أحبّ الوطن فوصفه بأجمل وصف، وأحب مدينته فجعلها معشوقته، وتغزل بالمرأة فأباح وأخفى، وتصدى بقصائده لأصحاب البترول والعدو الصهيوني والظلم الإنساني، خُلدت قصائده بالغناء وشغلت مكاناً في قلوب الناس.
ولم تكن هذه المحاضرة كالمعتاد تعتمد على تحليل الجمل الموسيقية وعرض الملفات الغنائية فقط، إذ أحسّ الحضور الكبير بوجود مدير ثقافة دمشق الأستاذ بسام عاقلة بعوالم العشق بإلقاء السيدة ميرنا ديب عدة قصائد له على نغمات الموسيقا منها “وعدتك -إني عشقتك واتخذت قراري”، واستحوذت على إعجاب الحاضرين بتلون إلقائها المنسجم مع مشهدية القصيدة ،لتختتم المحاضرة بالتصفيق الحاد من قبل الحاضرين على أنغام أغنية “أشهد ألا امرأة أتقنت اللعبة”.
والملفت أن الباحث تطرق إلى عدة أمور كانت غير معروفة للحاضرين. نزار قباني كما ذكر الباحث “اشتهر وأشهر” إذ لُحنت له أكثر من أربعين قصيدة لأن شعره امتلك خصائص أدبية جعلته مثار إعجاب الملحنين ببساطة ورقة معانيه وصوره وتراكيبه البلاغية الجميلة المتناغمة مع بعضها بجرس موسيقي أخاذ ،فلحّن له كبار الملحنين وغنى له كبار المغنين
السراج أول الملحنين
في بداية الندوة أثار الباحث وضاح رجب باشا إشكالية أن أغلب الناس يعتقدون أن الموسيقار محمد عبد الوهاب هو أول من لحّن للشاعر نزار قباني، إلا أن الموسيقار نجيب السراج ابن حماه هو أول من لحّن وغنى له قصيدة “بيت الحبيبة” التي اتسمت بجرس موسيقي أخاذ بعنوان “يابيتها” وحينما سمعها عبد الوهاب أُعجب بالتلوين الموسيقي بالجمل اللحنية بين الميجنا والأوف واللالا في أغنية واحدة، فاختار عبد الوهاب قصيدة أيظن وغنتها نجاة الصغيرة:
أيظـــــــــــــــــن أنـــــــي لعبـــــــــــــة بيديه
أنا لاأفكـــــــــــر بالرجـــــــــــوع إليــــــــه
وهنا توقف الباحث عند تحليل الجمل الموسيقية، ونوّه إلى ذكاء عبد الوهاب في فهم المعنى ووضع اللحن المرافق له بدا هذا واضحاً في اعتماده على السكون في أيظن، ثم الدخول الهادئ للحن مما أعطاه بعداً عاطفياً متناغماً برقة مع المضمون يظهر بوضوح في الجملة الموسيقية، وأثار عبد الوهاب جمهوره بالقفلة المدهشة للقصيدة بغنائها “ما أحلى الرجوع إليه” باتساع البعد العاطفي للجملة اللحنية.
التدرج بالطبقات
كما لحن لها عبد الوهاب “أسألك الرحيلا ومتى ستعرف كم أهواك يا أملاً، وأشاد الباحث بعبد الوهاب الذي صاغ الشعر بألحانه من رؤيته اللحنية وتمكن من وضع لحن رائع على هذه المفردات البسيطة. ليصل إلى مقطع: “أنا أحبك حاول أن تساعدني” ومتابعة اللحن بجمل لحنية ممدودة بالطبقة العالية وبتوتر عال، وعمل على التدرج من الطبقات العالية إلى المنخفضة ليوضح معنى الرجاء.
أقلّ الرحابنة
وبعد نجاة وغنائها الرقيق انتقل الباحث إلى ملف جديد إلى فيروز التي غنت ثلاث قصائد فقط بتلحين الرحابنة الذين لم يشتغلوا كثيراً على تلحين قصائد نزار وكانت مفاجأة للحاضرين، إذ يعتقد كثيرون أن فيروز غنت لنزار أكثر من ذلك.
فاستمعنا إلى “وشاية” أنت الذي يا حبيبي نقلت للعصافير أخبارنا” جاءت بجمل موسيقية بسيطة بعيدة عن صعوبة الجمل التعبيرية وتعقيدها.
الطرب والحركة الموسيقية
وكان للملحن محمد الموجي المتصف بشديد الطربية دور في تلحين قصائد نزار الذي استطاع شعره أن يحرض في داخله الأسلوب الطربي ليتماوج مع الإيقاع السريع  للحركة الموسيقية على كلمات نزار، فاختلف اللحن اختلافاً واضحاً بصوت عبد الحليم حافظ لرائعة”رسالة تحت الماء”التي تحكي قصة متكاملة، لكن الأجمل كانت “قارئة الفنجان” التي حلق فيها الموجي بمفردات نزار في زمن المقدمات الطويلة للأغاني.
صورة حزينة للحن راقص
في القسم الثاني من المحاضرة وصل الباحث إلى مطربات الجيل إلى ماجدة الرومي التي غنت ست قصائد لنزا ر، إلى أن ترافق صوتها مع القيصر كاظم في “طوق الياسمين”، وقد أثار الباحث مسألة هامة فبرأيه أن كاظم لم يوفق في الجمل اللحنية لمشاهد متتابعة للقصيدة، فالصورة حزينة مؤلمة واللحن جاء بصياغة موسيقية راقصة لا تنسجم مع المعنى الروحي والعاطفي.
تقطيع راقص
وفي الطرف الآخر وفق كاظم بتلحين قصيدة “تلومني الدنيا إذا أحببتك” غناء لطيفة التونسية،لاسيما في المقدمة لآلآلآ لتبدأ بـ تلومني الدنيا إذا أحببتك
الشعر العروبي وأم كلثوم
في جانب آخر تطرق الباحث إلى الشعر العروبي فتوقف عند أغنية أم كلثوم “أصبح عندي الآن بندقية” لكن القصائد الأهم كانت رثاء نزار قباني للقائد القومي جمال عبد الناصر الذي عشقته الملايين، فغنت أم كلثوم “والدنا جمال” وتعد من أهم القصائد التي كتبها نزار، وزاد من جمالية القصيدة الإحساس الحقيقي لأم كلثوم بفاجعة موته.
الرقة والغضب
ومن القصائد الصعبة التي غنتها فايزة أحمد تلحين محمد سلطان “لاتدخلي” التي جمعت بين الرقة والغضب.
وفي المراحل الحديثة غنى خالد الشيخ من ألحانه قصيدة “عيناك والدمع الأسود فوقهما” واختتمت الندوة بعرض مقتطفات من مجموعة قصائد غناها ولحنها القيصر كاظم الساهر، منها “صباحك سكر –قل لي ولو كذباً –كبري عقلك –أحبيني بلا عقد –علمني حبك سيدتي …وتصفيق الحاضرين على أغنية أشهد ألا امرأة أتقنت اللعبة.
ملده شويكاني