ثقافة

“بولس سركو”: الفن التشكيلي تنحى بالكامل عن هموم الناس والوطن تحت هوس الفن للفن

“بولس عبد الله سركو” فنان تشكيلي سوري، مولود في دمشق عام 1958، جاءت عائلته من قرية الغنيمية الواقعة بين غابات سلسلة الجبال الساحلية على بعد حوالي أربعين كيلومتراً شمال شرق  مدينة اللاذقية على الساحل الشرقي للمتوسط والتي تعد امتدادا لمدينة أوغاريت التاريخية التي وضعت أول أبجدية وكتبت أول نوتة موسيقية في التاريخ.

انتسب إلى مركز الفنون التشكيلية في اللاذقية عام1976 ونالت لوحته من الدورة الأولى الجائزة الأولى على مراكز الفنون في القطر، سافر من سورية عام 1980 وانتسب عام 1984 إلى معهد فان ديركيلين في أنتورب بلجيكا وتدرب في مرسم أستاذه يوبي “الذي ساعدني على إتقان فن البورتريه  وكذلك على تجاوز القواعد الكلاسيكية للرسم” يقول بولس، وفي بلجيكا زار الكثير من المتاحف وصالات العرض وبيت الفنان روبنز والكاتدرائية التي تضم قسماّ كبيرا من أعماله.
تنقل بين عدة دول أوروبية كان آخرها الدانمارك حيث عاش مع مجموعة صغيرة من الهيبيز في تولاين “كنت أعيش من بيع اللوحات، وكان لرحلتي الطويلة في الغرب تأثيرا كبيرا في حياتي, بعضه كان مفيدا لنفسيتي وتجربتي التشكيلية ومعرفتي, وبعضه كان صادما لأنّ الشخصية الحضارية التي كنت أتصورها لم أعثر عليها في الغرب رغم فارق التطور بين عالمنا وعالمهم” يضيف سركو.
عام 1987 عاد إلى سورية وقرر السكن وحيدا في القرية بدلا من السكن في مدينة اللاذقية “وذلك كي أكون في قلب الطبيعة الخلابة مفرغا كامل وقتي لتأملها ورسمها وأيضا كي يكون لي متسعا من الوقت للقراءة والكتابة وسماع الموسيقى”.
أقام أول معرض فردي لأعماله في عام 1994 في كلية العمارة في جامعة تشرين باللاذقية. عاد إلى مدينته عام1995 وانتسب إلى نقابة الفنون الجميلة (اتحاد الفنانين التشكيليين حاليا) وأقام حتى عام 2010 تسعة عشر معرضا فرديا في سورية وخارجها, كما شارك في المعارض الرسمية وفي العديد من المهرجانات الثقافية والملتقيات والمعارض الجماعية.
كتب عن تجربته العديد من النقاد (منهم أديب مخزوم وغازي عانا وكمال محيي الدين حسين وعبد الله أبو راشد) ونال جوائز تكريم وشهادات تقدير من جهات عدة.

رؤى

تراوحت تجربة بولس الفنية بين أقصى الواقعية وأقصى التجريد والمحاولات المستمرة والعنيدة للمزاوجة بينهما في العمل الواحد وذلك تحقيقا لرؤيته الخاصة للفن التشكيلي، وهي رؤية جدلية، استقلالية،ناقدة وإنسانية مخالفة لما هو سائد بشكل عام على الساحة التشكيلية، التي يعتبرها بولس في غالبيتها ساحة تابعة لأنها بنيت من قبل أجيال من الفنانين الذين تخرجوا على أيدي الرواد الذين عادوا من الغرب حاملين معهم نظريات الغرب الفنية الميتافيزيقية في مرجعياتها الفكرية التي قد لا تكون ملائمة لواقعنا بالمطلق ولاتلبي حاجاتنا المتعلقة بالتطور الاجتماعي، “فالتجريد على سبيل المثال هو أرقى حالة ذهنية يمكن الوصول إليها ولكن ليس كمدخل إلى اللانهاية أو الكون أو العبث وإنما لإعادة تصور الواقع بشكل جديد أكثر تطورا وهذا موضوع خلافي أساسي أما الموضوع الآخر والذي لايقل أهمية وهو مرتبط بالموضوع السابق هو علاقة الفن بالمجتمع والمحيط الإنساني” يضيف سركو, وما نحتاجه بنظره هو رؤية نقدية تتفاعل مع فنون العالم دون أن تكون تابعة لها بعكس ما رأينا من وقائع تشير إلى تنحي الفن التشكيلي بالكامل عن هموم الناس والوطن تحت هوس الفن للفن.

منظرو الفن التشكيلي

إن نظرية الفن للفن يجب ألا تكون شاملة بحيث تسحق الفكر كليا كما يؤمن “بولس” وإنما هي نظرية خاصة بلحظة الخلق للمحافظة على جمال الشكل ويجب ألا تتعدى ذلك كما يرى، وبقدر أهمية الشكل وجماله هي أهمية الموضوع والرسالة الفنية أيضا، أما الموضوع الخلافي الثالث فيتعلق بالهوية المحلية للفن التشكيلي والتي “حاول التيار المحافظ إكسابها طابعا دينيا إسلاميا أو مسيحيا علما بأن الأيديولوجيتين المذكورتين مسؤولتين بشكل مباشر عن أسوأ قمع عرفه تاريخ الفن في العالم وعانت منه منطقتنا معاناة هائلة على الصعيد الحضاري حين أخرج الفن التشكيلي من حياة المجتمع وهو مقياس من مقاييس حضارة الشعوب” يضيف الفنان، ويتابع “ليس ذلك فقط بل لأن التيار المذكور أدعى أنه يحصن بهذه (الهوية) الثقافة المحلية من الغزو الثقافي للنظام العالمي الجديد والحقيقة هي العكس تماما لأن أحد أهم وسائل توسع وهيمنة النظام العالمي الجديد هي تفعيل العامل الديني واستغلاله، ومع الأسف أن هذا التيار منتشر ومؤثر بينما اعتقد أن منظري الفن التشكيلي السوري كان من المفترض أن يكونوا ورثة رواد النهضة العربية على الأقل كي يخطوا بخطوات واثقة ومتقدمة نحو فن سوري متطور فعلا”.
قد لا تكون أعماله الفنية في معظمها معبرة بشكل واضح وصريح عن أفكاره النظرية حتى الآن لكنني مازلت أبحث وأجرب وأعمل بلا كلل كي أحقق ذلك..
ختم سركو .

تمام علي بركات