ثقافة

بسام حميدي: “ضوى القمر” عرض تقني بصري بمضمون إنساني

وصف بعضُهم العرضَ التقني البصري “ضوى القمر” الذي اختتم عروضه مؤخراً على مسرح الحمراء بدمشق، بأنه عرض عالمي للتقنيات عالية المستوى التي استخدمها مخرجه وصاحب فكرته بسام حميدي الذي بيّن أن عمله هذا لم يكن وليد اللحظة وإنما كان نتيجة بحث مستمر وتجارب عديدة  توِّجَت بهذا العرض.

مشروع إنساني
ويؤكد حميدي أن عمله “ضوى القمر” كعمل تقني بصري كان يحتاج إلى إمكانيات ضخمة على مستوى الإضاءة والغرافيك والموسيقا والأزياء، ولذلك عرضه على شركة غولدن لاين التي تحمست للمشاركة في دعمه، خاصة وأن مضمونه إنساني له علاقة بعالم الطفولة في سورية وكيف كان هذا العالم وكيف صار خلال فترة الحرب على سورية، وبالتالي كان عرضه مشروعاً إنسانياً وهذا ما حرَّض الشركة على دعمه إلى جانب مديرية المسارح والموسيقا التي ساعدت حميدي بإمكانياتها المتوفرة، مشيراً إلى أنه أنجز ما يريده من هذا المشروع بمقدار 70%.

ما بعد الإضاءة
ويشير حميدي -وهو الذي يعمل كمصمم إضاءة منذ سنوات طويلة – دورة اختصاص في المدرسة الوطنية العليا للفنون وتقانات المسرح بفرنسا 2005- في مديرية المسارح والموسيقا- انطلاقاً من قناعته أن الإضاءة ليست وحدها القادرة على إنجاز مشهد بصري تقني عالي المستوى، إلا أن همه كان منذ سنوات تقديم مشهد تقني بصري في ظل تطور التقنيات المستخدَمة في المسارح.. من هنا كان من الطبيعي كمصمم إضاءة أن يفكر في ما بعد الإضاءة، وقد بدأ هذا البحث لديه من خلال عدة أعمال مسرحية، منها مسرحية “الدرس” مع المخرج زيناتي قدسية ومسرحية “وطن الطائر” مع المخرج محمود عثمان التي استخدم فيها تقنيات باتجاه يجعل الممثلة تطير فوق الجمهور.

أطفال لم يفقدوا الأمل
وبعيداً عن الشكل التقني والمشهد البصري المبهر الذي قدمه حميدي من خلال “ضوى القمر” يبيّن أن الفكرة تدور حول الفتاة الصغيرة (أدتها الفنانة ميريانا معلولي) التي نراها تسير عبر شوارع بلدها سورية التي تضج بالحركة والحياة، والتي اعتادت أن تلعب في الحديقة مع الحيوانات، وفي يوم من الأيام تعود إلى بيتها من نفس الشوارع التي اعتادت أن ترى فيها كلَّ مظاهر الحياة فتسمع من التلفاز أغنية “ما أحلى أن نعيش في حب وسلام” وفجأة تبدأ الحرب ويتحول كل ما هو جميل إلى دمار وخراب فتخرج لتمشي بين الشوارع الجميلة التي اعتادت أن تمشي فيها وقد تحول كل ما فيها إلى دمار وخراب، فتحزن لما فعله الإنسان في بلدها فتقرر أن تهجر الأرض مبتعدة عن الدمار والخراب الذي صنعه البشر باتجاه الفضاء الذي سرعان ما تتركه بعد أن اكتشفت أن الإنسان وصل إلى هناك فتتجه نحو أعماق البحر لتحيط بها الكائنات البحرية التي لم تخيفها، إلى أن تبدأ برؤية الأغراض البشرية التي سقطت من الناس الذين هاجروا عبر البحر، فتهرب لنراها على الشاطئ تلتقط أحد الأطفال الذين لفظتهم مياه البحر بعد أن غرق فيها لنراها بعد ذلك في مشهد يصور ما فعلته الحرب بأطفالنا وكيف يحاولون رغم الخراب والدمار الذهاب إلى مدارسهم المهدمة، فتطير فوقهم لنرى قصصاً مختلفة لأطفال سورية الذين لم يفقدوا الأمل على الرغم من المآسي التي عاشوها.

أفكار متَّقدة
أراد المخرج حميدي من خلال عرضه البصري التقني أن يثبت أنه ورغم كل الدمار والخراب الذي يحيط بنا ما زالت أفكارنا متقدة، وما زال المسرح يواكب التطورات الحديثة ومستمر بشكل دائم في بحثه على الصعيد التقني والبصري من خلال إصراره على توظيف الإضاءة بمساعدة الغرافيك في تقديم عرض بصريّ تقنيّ عالي المستوى، موضحاً أن هذه النوعية من العروض المسرحية لا يمكن أن تتخلى عن أي عنصر من عناصر العرض المسرحي: الغرافيك، الموسيقا، التمثيل، الحركة، الموسيقا، فكل هذه العناصر كان من الضروري أن تتضافر مجتمعةً لتقديم صورة بصرية ناجحة، لأن أي خلل في أي عنصر من هذه العناصر يشوِّه المشهد.. من هنا فإن تقديم مثل هذا العرض برأيه يحتاج إلى دراسة مفصلة وعميقة لأبسط التفاصيل في كل العناصر.
وما بين الشكل والمضمون لم ينحَزْ حميدي في عرضه لطرف دون الآخر، فالأول يكمل الثاني، والعكس صحيح، مع إشارته إلى أن نجاح العرض يعود بالدرجة الأولى للموضوع الإنساني الذي يعالجه والذي كان حاملاً للعرض، فهو الذي حدد كلَّ خطوة من خطواته التقنية على صعيد الشكل، لقناعته أن المضمون في أي عرض من العروض هو الأساس وليس الشكل، لذلك لم يقع في مطبِّ الانحياز للشكل دون المضمون ومحاولة استعراض مهاراته في تقديم مشهد بصري تقني، وظل مؤمناً أن المضمون هو الركيزة الأولى والأساسية في أي عرض وأن الشكل ما هو إلا وسيلة للتعبير عنه.

الإخراج ليس هدفاً
ويوضح حميدي أن الإخراج لم يكن هدفه في هذا العرض إلا أن فكرته استلزمت شكلاً تقنياً وبصرياً يعرفه وقد خبره جيداً، فقدم عرضاً فنياً بصرياً يعتمد على الصورة والإبهار، مؤكداً أن التجربة لم تكن سهلة على الإطلاق على صعيد تحقيق التوازن بين كل عناصر العرض، خاصة وأن الكادر الفني الذي عمل معه كان عدده قليلاً، ويرى حميدي أنه كان من الطبيعي أن يصل إلى هذه المرحلة التي توِّجَت بهذا العمل بعد خبرة راكمها لعدة سنوات من خلال عمله في الإضاءة المسرحية، ويشير إلى أن عمله “ضوى القمر” جاء بعد أن أتيحت له الفرصة في العمل في الدراما التلفزيونية التي ساعدته في معرفة كيفية دمج المادة المصوَّرة بالعمل المسرحي ليقدم ما يريده، إلى جانب الخبرة التي اكتسبها من عمله في افتتاح العديد من المهرجانات، لذلك كان من الضروري ترجمة هذه الخبرة وتوظيفها في مشروع خاص ومختلف.
العرض من أداء ميريانا معلولي، غرافيك أسامة الخضر، موسيقا وألحان أيمن زرقان، تصميم حركي محمد شباط، تصميم أزياء ريم الشمالي، مكياج ودمى منور عقاد.
أمينة عباس