ثقافة

نبوءة مطر

غالبا ما تتعبك غفوة الزند عندما تلوذ شجرة قلبك بالصمت وتحتاج أن تسند ظهرها وحلمها الأخضر على نبض شريك. وعبثا تصيبك الأحرف الباردة بتنهدات الشتاء بحثا عن موقد قادم يقيك جمودها وجمودك إن طرق المطر أغانيه الذكريات على نافذتك، وأنت مازلت في ضفتك الأخرى تبحث عن مقتنيات من عود البخور والذكرى يجمع رصيدك “تكة تكة”، ولحظة لحظة لتلتهمه نيران الذاكرة والمسافة.. فتحيك إليَ منك في حرمة ذاك البرد القارس شالات من وهج  فيَ إليك عله يخفف  صعوبة كل هذا السبات في حضور هذا الحبر الجاف والكلمات.
هل لمست مثلي صقيع بحر من مداد؟ هل أرهقتك سفنك في الارتحال به كرمة عين خضرة الرواية عنك، ويناع الربيع في سواحل عينيك يوما، الممتلئة بشتاء غريب يتسع لكل الأشياء، إلايّ..
هناك وهنا ككل موسم أنت فيّ.. تجدف الحروف من ميناء لميناء بحثا عني، تفر هاربة إلى مرافئ الجياع والأطفال، ومدائني الجريحة الملطخة بدم التهمة والغيب والزناة.. ياه ماذا أروي وقلمي تصطك أسنانه من عظمة مشاهد الجمود وطوافانات الموت وأعاصير الغياب؟
من يمسد شعر أجسادهم العارية بلا كلمات في هذه الشتاءات، أمام كل هذا النزيف المشتعل من كل شيء إلا الدفء؟ من يطعمهم وجبة من إكسير الأمل والحياة؟ وأنت وانتم حمل يوسدني بشهوته أن يحيا دوما  بخير ووفرة الثلج والقمح، لا بعذابات الخيام، شهوة الخلاص من سهاد ذاك الغسق في خباياه جحافل الظلام، يشق صدرها لأجلكم سيفا من نور ونار حبي، فتحيون عبر أشرعة الحب وصلواتي المعجزات.
ها إني ككل نبض مني لذت هذا المساء إلى عبي الصغير، أخذت ألحفة من بعض وريقاتي، تنهدت عميقا وأنا أسأل عن حال كل خيط، عن أكمامك، عن مخداتك، عن هفواتك عن طرقاتك وعن مسيرك كيف تعتني بها في أروقة الضباب والتساؤلات، وأنت  تقيم في منفى الهجرة معي؟ كيف تقاوم حطب الخذلان المبلل بالدمع كي لا يشعله منبوذ أو مستعبد أو مظلوم أمامك، فتهطل عيناك قبل أوردتك في أحجية الحزن العميق، فتركض لتبحث عن رسائلي الرسمية إليك لتجفف بها عمق الطعنة من الإجابة والنكسة، فالبلاد يا حبيبي وساعي البريد وسماءاتهما بيننا صارت مشوشة بطوابع الحروب وأصوات المدافع وعهر المتنازعين والترهات.
يا الهي هل أنت بارد هذا الحول أيضا من عناوين السفر وحقائب المسلمات؟
لا تبرد أرجوك، فإني قد أذبت نفسي إليك وصنعت شمعا كعادتي حمّلته قبلات قلبي ورصعته مراسيل الأمنيات، بلا وقود أشتعل بك، أفتح الطريق، أمسك قنديلي بحثا عنك وعن الحقيقة، أدق نياشين المنازل، أجوب بك الطرقات، وفي خلدي يقيني أني سأجدكما على هنيهة من قصيدة، أو على مفترق من أماسي العبارات، أمشي كعادتي وحيدة إلا منك، وحدي، وأتمتم لكما تعاويذ السلام ليحل نار الألم عليك وعلى ارضي بردا من عطر وهطولا من انتصارات.
أصطفيك في وحدتي وأنت معي رتم المطر فوق شفة قهوة الصباحات.. ستمطر أنبأني، قلبي إليك وسأمطر.. سأمطر وبلا ثمن، وحده الحب ينبوعا يسقي يبكي، يعطش، ويروي، يبني بلا ثمن.
الشوق  يا حبيبي يجعلني أمطر، الغياب يحيلني غيمة، وغياب صوتك يجعل صرير العاصفة خلف نافذتي قوياً، تحيل المسامع بدونك ضجيجاً، وتتنهد دمشق القديمة في سريرتي اسمك صحوة البلابل، نيازك الفتوى نجوما من حبق وياسمين الخلود، معابري إلى وجهك دفئي، كلما خمد جنون البارود وصمتت من فجورها المصفحات، أشتاقك معي، عبوري وبلادي مطرا يغيّر الحال ويزرع في رحمي وجهكما قصيدة أتلوها بدمي وعلى المنابر، أصيح بكما سلاما يكفنني، يأخذني صيفا وأزهر دواوينا من شمس وأغنيات.
رشا الصالح