ثقافةصحيفة البعث

“رائحة الروح” تجلي الحسّ الإنساني برؤية بصرية

 

جاء مسلسل رائحة الروح بكاميرا سهير سرميني، التي حوّلت شخوص أيهم عرسان إلى شخصيات واقعية تبحث عن روح جديدة تعيد إليها جماليات الحياة وسط مساحات القوة والفساد والقسوة والسطوة. فانسحبت كاميرا سرميني إلى شرائح مختلفة وأمكنة متعددة لتصور بين الرومانسية والواقعية ذاك الحسّ الإنساني، وتدخل بلغتها السينمائية إلى عوالم الذات وهي تواجه قدرها وتحاول التكيف معه، فمضت بوتيرة هادئة بعيداً عن الضوضاء في المشهد لتبحث عن مطارح خفية في الشخصية وتكشفها إلى المشاهد من خلال البوح الذاتي والصمت والمحاورة.
تميّز العمل بدخول الدراما إلى مطارح جديدة وبعودة قوية للفنان فراس إبراهيم بحضوره الآسر والجميل والقريب من الذات بتجسيد شخصية د. صباح الفنان التشكيلي والأستاذ الأكاديمي، فكان أجمل من الموسيقا المركبة والألوان الممتزجة التي يسكبها على لوحته بريشته وهو يرسم بورتريه لسميرة –الممثلة روبين عيسى- والتي شكّل معها ثنائية رومانسية رائعة في المعادلة الصعبة، وقد شدّ الفنان فراس إبراهيم جمهوره إلى العمل بدخوله عوالم الفنان التشكيلي الغامضة والمتقلبة لاسيما أنه يعيش علاقة زوجية باردة وروتينية مع زوجته الطبيبة –وارفة الفنانة وفاء موصللي- صاحبة المشفى المشغولة طوال الوقت بعالم المال والمرض، بينما يتوق هو إلى العلاقات العابرة فيعجب بطالبته، إلى أن يصبح أسير ما وصفه بذاك الخيط الخفي بين الضعف والرقة الذي لمسه في تعامل الخادمة سميرة بثقافتها المحدودة كما قال في أحد المشاهد، إلا أنه وجد سعادته معها”كوني صديقتي كوني عشيقتي لاتكوني زوجتي فقط”.
يلتقي البطل صباح مع إبراهيم الفنان وائل شرف الذي عاد بقوة أيضاً ليجسد محوراً أساسياً بالعمل يتمثل بشخصية الضابط المحقق إبراهيم ابن رجل الأعمال الثري صاحب الشركات”الحجي” الفنان القدير سليم صبري –أبو نادر- ربّ العمل بحضوره القوي لشخصية الأب المحبّ والمسيطر في آن واحد. لينتقل إبراهيم بين مستويات مختلفة من الشخصية تتوازى مع شخصيته كمحقق بقضايا تهمّ البلد وترتبط بشكل غير مباشر بالحرب الإرهابية، وتعرضه للضغط أحياناً من قبل جهات أعلى مثل موقف عدم السماح لأحد المعتقلين الذين أفرج عنهم بمغادرة البلد، وبين شخصيته كأحد (أولاد الحجي)الذي يرتبط بوالده بعلاقة دافئة ويكون موضع ثقته بحلّ مشكلات إخوته، فيجمع بين اللين والقسوة وإن تبدو قسوته واضحة في مواضع.
تطرق العمل عبْر مجرياته إلى هيمنة قوة المال وقدرة أصحاب رؤوس الأموال بتوظيف أموالهم على تسهيل أمورهم والضغط على المسؤولين، إلا أن الجديد في الصور الاجتماعية هو التطرق إلى هيمنة وقوة الجهات الدينية المتمثلة بشخصية الشيخ والد زوجة نادر أحد أبناء الحجي الذي يريد الانفصال عن ابنة الشيخ والزواج من حبيبته غادة- رنا أبيض- بعد طلاقها من زهير-محسن غازي- المسؤول ومن أصحاب النفوذ، ليمضي العمل بخطوطه الدرامية إلى الفساد والأخطاء التي يرتكبها أصحاب النفوذ باستغلال مناصبهم لتصفية الحسابات الشخصية كما فعل زهير حينما خطف نادر- الممثل وائل أبو غزالة- ومارس عليه العنف والضرب المبرح.
وفي زوايا أخرى تنتقل كاميرا سرميني إلى مطارح جديدة بالتطرق إلى العوالم الخارجية والداخلية لتجار القمامة – الفنان تيسير إدريس، أبو جواد-وتجنيده عدداً من العمال للعمل بجمع القمامة من الحارات والشوارع ومن ثم فرزها وبيعها، لتصوّر الصراعات التي تواجهه من قبل المهيمنين على هذه المهنة وطلبه الحصول على الربع مقابل السماح لهم بمتابعة العمل، لتدخل سرميني بكاميرتها إلى المنزل وإلى رفض ابنه جواد الممثل- جوان خضر- العمل بمهنة أبيه فيبحث عن روح جديدة تنتشله إلى عالم بعيد عن رائحة القمامة، لتمضي المشاهد بمونتاج وحركة لافتة إلى عوالم الكازينو الليلي التي يتصدى لها الفنان بشار إسماعيل-أبو حسين- الذي يعمل بالكازينو ويمنع السلوكيات الخاطئة فيتعرض للعنف، وفي الوقت ذاته تحرضه زوجته الفنانة ريم عبد العزيز للابتعاد عن أجواء الكازينو.
لتعود رائحة الروح العطرة مع شخصية الفنانة سلمى المصري أم صافي التي تواجه قدرها بعد تعرضها لحادث جعلها مقعدةِ، لتمثل المنحى الإيجابي مع زوجها الملتزم –الفنان نجاح سفكوني- والذي تعرض للاتهام بقضية فساد. كل هذه المحاور شغلت كاميرا سرميني بشخوصها بآلامهم بأحاسيسهم بأحلامهم وأفراحهم بتوقهم إلى رائحة روح جديدة.
ملده شويكاني