ثقافةصحيفة البعث

قول في المشهد الدرامي.. الإرهاصات الجديدة.. أم الارتدادات؟

 

 

قبيل انتصاف الأعمال الدرامية على شاشتنا الوطنية، ولعلها الأطباق المضافة ليس بفعل قيمتها بل حضورها المنتظر أيضاً، مشهد تتنوع فيه النكهة والمذاقات وهو الذي يتوسل الفوز بتلقي المشاهد، المشاهد على اختلاف مستوياته ودرجات استقباله للنصوص الدرامية أولاً قبل ما يمكن الحديث عنه على المستوى الفني بالرؤية الإخراجية وبقيم المغايرة والاختلاف التي لا ينبغي مقارنتها بما سلف، بل لعلها من تختار مشاهدها وتخلق له طقسها المنشود، ولنقل في هذا السياق جلّ ما يقدم سيجهر بما نتواضع على تسميته بالدراما الشرط الإنساني، أي أن السمة الغالبة والتي لاحظها غير متابع، هي ذلك الفضاء الاجتماعي/ الإنساني الذي ذهبت إليه أعمال بعينها، وعليه سوف تنبني كل خطوطها الدرامية وفق برامجها (السردية البصرية) ومن ثم خطاب مقولاتها، والذي يبدو أنه يتخفف إلى حد ما من المحاكاة للواقع والتماثل معه، بمعنى آخر وبعيداً عن حسابات السوق وشرط العرض الرمضاني، ذي الثلاثين حلقة، ستبدو ثمة أعمال بعينها (وحدن، وهم، فوضى) تختط إيقاعاً مختلفاً مع العمل ذي اللوحات المتصلة المنفصلة (شبابيك)، وهذا الإيقاع الذي ينوس بين ما هو مختلف وما هو متماثل مع ما يعرفه الجمهور، ربما يكسر أفق توقعنا بمتابعته حتى النهاية، إذ ثمة ما يستشرف في بنيتها والأكثر دلالة هنا أن ثيمة (الحرب) أو الأزمة لن تبدو إلا بمعيار الشرط الدرامي أولاً، كي لا تتحول إلى خطاب فائض، ما يعني تالياً هنا أن القول بثقافة الدراما سيبدو باستحقاقات جلية، بمضاعفة الرهان، لا الانتظار وحده على ما ستؤول عليه تلك الأعمال، وهي التي أعلن صناعها في غير مناسبة أنها تذهب إلى ما نعنيه بالشرط الإنساني، أي إلى تلك الأبعاد الثاوية في أعمال البشر، ومناوشة السائد بعض الشيء، وعليه فإن ثيمة إضافية لعلها الانتظار من تدفع تلك الأسئلة التي هجس بها من اختلف عليها مشاهدون ومتابعون، ومن توجس منها ومن حايثها بتفاؤل ضروري، لا سميا وأن (باب الحارة) قد أُغلق تماماً ولم يترك هذه المرة موارباً لتتخفف غير أعمال مثل (عطر الشام) من ثقل الأسئلة الصادمة التي تعاين أعمال (البيئة) وأخواتها، وما نقصد قوله في هذا المشهد الدرامي هو التنوع المقصود ومناخات الفرجة التي تضافرت بها جهود أصحاب الرؤى الإخراجية ليحلق بالنصوص، أو ربما يجملوا بعضها قليلاً، وعلى الأرجح أن ماهية الشرط الإنساني هنا هي في طبيعة البحث عن المشترك الإنساني/ الوجع السوري بصيغ أكثر حداثة وأكثر احتراماً لعقل المشاهد، إنها دراما داخل السوق وخارجه تتوسل المتعة أولاً، لكن مساءلتها معرفياً سيبدو خارج إقحام أسئلته الضرورية نشداناً لأن تظل الدراما صناعة ثقيلة، وهوية سورية بامتياز، وبعيداً عن الأحكام المتعجلة أو المتسارعة، التي تحاول الإحاطة بتلك الأعمال وعلى مستويين، المستوى الأول هو مستوى الشغف العاطفي، والثاني هو المقارنة بين ما مضى وبين ما يعرض الآن، أي طيلة سنوات الأزمة، والتي حملت عند المشاهد السوري الكثير من الأسئلة، التي تتطير إلى الشغف منها إلى القيمة المضافة التي ينبغي الوقوف عندها طويلاً، الوقوف عند تعبير صورها الذي يخيط هذا الجرح بأناقة أم ينكأه، وفي الحالتين ثمة سعي بملامح أولى إلى ما نعنيه بالمغايرة والاختلاف، حتى تليق الدراما في نسختها عام 2018، بالذاكرة السورية ويومياتها وهي المتطلبة في زحمة الأعمال، إلى دراما النوع الذي يبقى وسواه من سيمضي إلى النسيان، تربح الدراما مشاهدها حينما تكون صوته وصورته، وفضاءات تنوير لحظته السورية، أو استشرافها على الأقل، قول في مشهد يتسع له كل الكلام القادم.
أحمد علي هلال