على الرغم من أهميتها وجدواها الاقتصادية الرابحة الجهات المعنية تدفع بالأبحاث العلمية إلى خارج دائرة التطبيق..!
جرعة من الأمل بأهمية الأبحاث السورية التي حملتها جعبة الباحثين السوريين المغتربين، قابلتها أخرى مضادة من الهموم والشجون من نظرائهم المقيمين بالداخل بثها المؤتمر العلمي الأول للباحثين السوريين المغتربين الذي حمل راية “نحو اقتصاد المعرفة لسورية ما بعد الحرب”. فبقدر التفاؤل الذي جذب الباحثين المغتربين لعرض أبحاث واختراعات هامة أثبت جدواها العلمي والاقتصادي في بلد الاغتراب والرغبة في تطبيقها لصالح بلدهم الأم للنهوض بواقعها الاقتصادي والمعرفي، كان هناك نصيب مماثل من شجون باحثي الداخل لغياب الاهتمام والتمويل اللازم لاختراعات وأبحاث من شأنها فتح مجالات وآفاق جديدة تشكل جسر عبور آمن يتخطى به الاقتصاد السوري إشكالياته والحصار المفروض عليه إلى واقع اقتصادي علمي يقلب موازين الخسارة إلى ربح محقق. ولكن بالرغم من أهميتها وجدواها الاقتصادية هل ستبقى مادة علمية للمؤتمرات والمنتديات، أم سيشكل المؤتمر بداية التحول إلى توطين التطبيقات العلمية..؟
نقطة البداية
يشكل غياب التواصل بين الجهات العلمية والبحثية مع الجهات الحكومية الرسمية إشكالية أساسية بحسب مدير هيئة البحث العلمي الدكتور مجدي الجمالي الذي آل بواقع البحث العلمي إلى خارج دائرة النور، معولاً على أن يكون المؤتمر الأول نقطة البداية لتكوين خلية عمل؛ قطباها مخترعو الداخل والخارج، عبر هيئة البحث العلمي كصلة وصل، مبيناً أن سوء التواصل بين الباحثين والمؤسسات المعنية، يبقي العديد من الأبحاث خارج دائرة الضوء إما لضعف التسويق لها من قبل الباحثين، وإما لعدم إدراك الجهات المعنية لأهميتها والعمل على تمويلها و تطبيقها.
أفكار نيرة
شكلت معظم الأبحاث التي تم عرضها دليلاً هاماً على وجود البحث العلمي الراقي في سورية، والتي تحاكي مصلحة الاقتصاد الوطني وتتفق مع أولويات السياسة الحكومية، خاصة الأبحاث الهندسية التي تمحورت في مجال الطاقة، كالمنظومة الكهروشمسية والسيارة الكهربائية واللواقط الكهرضوئية، حيث أثبتت جدواها بتوفير مبالغ هائلة فيما لو تم اعتمادها وتطبيقها عوضاً عن الطاقة التقليدية، إلا أنها بغياب الاهتمام بالبحث العلمي اقتصرت على التجارب المخبرية والفردية، واشتملت على الإضاءة في بعض المشاريع، في حين تعاني الحكومة الكثير في سبل تأمينها، وبتكاليف هائلة في ظل الحصار الاقتصادي المفروض مضافاً إليها تكاليف الدعم، فلماذا لا يتم الاعتماد على الطاقات المتجددة المتوفرة في سورية. وطرح الباحث الدكتور علي شمسين المقيم بسويسرا فكرة توزيع السخان بالطاقة الشمسية مجاناً على كافة الأسر ليبلغ معدل التوفير في مادة المازوت نحو 100%، حيث تبلغ التكلفة اليومية للمازوت نحو 1.8 مليار ليرة على الحكومة، وبالتالي فإن تكلفة التدفئة المدعومة المقدمة للأسر كافية لتقديم السخانات مجاناً، إضافة إلى ضرورة استخدام السيارة الكهربائية التي توفر نحو 2 مليار لمادة البنزين.
غياب القناعة
في حين بين الدكتور محمد دقاق مدير قسم الطاقات المتجددة في مركز البحث العلمي أن عدم تبني تطبيقات البحث العلمي من الحكومة يحتم عليها البقاء خارج إطار التطبيق، ويخسر الاقتصاد فرصة الاستفادة من أفكار وحلول من شأنها تجاوز معظم عقباته وتوفير أمواله، وخلال حديثه أكد قدرة المركز على إنتاج منظومات طاقة شمسية ولواقط تضاهي المنتجات المستوردة وتتفوق على الصينية منها، إلا أن الجهات المعنية لم تولِها الاهتمام المطلوب بالرغم من عرضها على الكثير من الجهات العامة، إضافة إلى وجود العديد من الدراسات التي قامت على إنتاج الوقود من المخلفات الزراعية للقطن والزيتون بكلفة منخفضة، وتم تطبيقها في إحدى المنشآت الصناعية. واقترح دقاق اعتماد المركز كجهة استشارية على الأقل لتقييم المنظومات المستوردة، وتعميم تجارب المفيدة والناجحة سواء للمركز الوطني لبحوث الطاقة أو مركز البحوث على كافة المؤسسات.
لمَ التأخير…
برزت الإشكاليات التي تواجه براءات الاختراع على لسان الباحثين الحضور وذلك بسبب تأخر مذكرة التفاهم بين هيئة البحث العلمي ووزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك؛ الأمر الذي أدى إلى توقف العديد من الباحثين عن تسجيل اختراعاتهم منذ ما يقارب ثلاث سنوات، إلا الجمالي أكد أن التأخير يتعلق بالوزارة، ولا تزال الهيئة تنتظر التوقيع والدعم المالي المخصص لها، كما حاول بث جرعة من التفاؤل بوجود بند في موازنة الهيئة لدعم المخترعين والذي سيمكنها من تقديم الحلول للباحثين إلى جانب إمكانية تمويلها لبعض الأبحاث، إضافة إلى وضع استراتيجية وطنية لبراءات الاختراع وتوجيهها بما يصب بمصلحة الاقتصاد الوطني والتوافق مع الصناعة الوطنية.
فاتن شنان