اقتصاد

السماح للشاحنات اللبنانية بعبور الأراضي السورية بعد استدراك “السلطات الجارة”للإرباكات المفتعلة . .

قرارات “مسيسة” مغرضة ضد سورية تخسر الاقتصاد اللبناني وباعتراف مسؤوليهم ملايين الدولارات
حافظت الحكومة السورية على رباطة جأشها على مدى شهرين ولم تتخذ أي إجراء يدين السلطات اللبنانية لعدم سماحه للمواطنين السوريين دخول أراضيه، فكان الرد حاسماً الأسبوع الفائت، بمنع جميع شاحنات نقل البضائع من دخول أو عبور الأراضي السورية القادمة من لبنان.
مصادر في وزارة الاقتصاد أكدت لـ”البعث” صدور تعميم شفوي بهذا الشأن، ريثما تعدل الحكومة اللبنانية عن سلوكها وتعيد انسيابية الحركة على حدودها وتسمح للسوريين الدخول لتلبية متطلباتهم من أعمال ودراسة وطبابة.
القرار السوري أثمر عن احتجاجات عديدة للتجار والمزارعين اللبنانيين ضد الحكومة اللبنانية، بعد تلمسهم جدية سورية في تنفيذ تعهدها الذي نتج عنه ازدحام شديد للشاحنات القادمة إلى المنافذ الحدودية بين البلدين، ما دفع لبنان إلى الرضوخ لمطالب هؤلاء المتضررين والبدء بإدخال بعض السوريين والذين تثبت صحة أسباب سفرهم إلى بيروت، والهدف من هذه الاحتجاجات كان فتح الجمارك السورية المجال للشاحنات اللبنانية بالعبور من جديد، وذلك حسب تصريحات صحفية لسوريين يتجهون إلى لبنان، الذين كشفوا عن تدقيق ومضايقات مازالت تمارسها السلطات اللبنانية المعنية، ولا تسمح حتى أمس بدخول أكثر من 20% من الراغبين بالسفر.

أمر واقع
إلا أن تداعيات منع الحكومة السورية للشاحنات القادمة من لبنان كانت أكبر بكثير مما توقعته بيروت، فعلى سبيل المثال يقول رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين انطوان حويّك: “إن سورية تستورد في هذه الفترة الموز من لبنان، وتجنّباً للاستيراد تضع السوريين أمام الأمر الواقع، وتطلب من السوريين استبدال الموز بأكل التفاح أو الحمضيات المتوفرة بكميات كبيرة في الساحل والجبال السورية”.
وعن سبب تكرار هذه الإشكاليات التي يخلقها الطرف اللبناني دون عذر مقنع، يشير حويك إلى أنّ الأشخاص المعنيين في معالجة هذا الملف من الطرف اللبناني من وزير الزراعة إلى وزير الاقتصاد إلى رئيس الحكومة ينتمون إلى قوى 14 آذار التي تقاطع سورية، وتالياً من الصعب جداً معالجة هذا الملف بشكل كامل وضمان طيه بالمطلق، معتقداً أن هذا الملف لا يمكن حلّه سوى ببعض الاتصالات السياسية.
وبالنسبة للخسائر التي يتكبّدها المزارع اللبناني جرّاء هذه الإجراءات، يوضح حويّك أنه كلما تراجع الطلب على السِلع يتراجع سعرها وهذا يكبّد المزارع خسارة، على سبيل المثال، بدلاً من أن يُباع كيلو الموز بـ125 ليرة سورية، يباع اليوم في بعض الأماكن بـ 75 ليرة، كذلك البطاطا. وعاد رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين إلى التأكيد على أنّ استيراد المنتجات الزراعية اللبنانية من السوق السورية يتوقّف لفترات، ولا يمكن إدخال أيّ منتج إلّا بإذن مسبق من الحكومة السورية، وأحياناً تعطي إذناً بالتصدير وأحياناً تمتنع عن ذلك، لكنه لفت إلى أن التصدير إلى الأردن مثلاً عن طريق سورية مُتاح، بمعنى آخر أن الترانزيت مسموح ولا مشكلات في ذلك.

الأكثر تضرراً
أصبح من المسلّمات أن يكون الاقتصاد اللبناني بين المتضررين الأوائل تجاه أي قرارات غير مدروسة تصدر عن الحكومة اللبنانية، فالقطاع الصناعي يعاني اليوم، عبر التصدير البرّي، أزمة جديدة تُضاف إلى المعوّقات التي تصيبه منذ اندلاع الأزمة السورية؛ وأحدَث الأضرار، قرار سعودي تلاه قرار سوري مُضاد أصابَت شظاياهما التصدير البرّي من لبنان، وذلك منذ بضعة أشهر.
وبعدما أصدرت السعودية قراراً يمنع دخول السيارات والشاحنات السورية إلى أراضيها، قامت وزارة النقل السورية بمنع دخول سيارات النقل الشاحنة المبرّدة والعادية، وسيارات الركوب الكبيرة والمتوسطة، وسيارات الركوب الصغيرة السياحية العمومية السعودية، إلى الأراضي السورية، تطبيقاً لمبدأ المعاملة بالمِثل. وأوضحت الوزارة أن القرار جاء بناء على اتفاقية تنظيم عمليات نقل الركاب والبضائع على الطرق البرية بين الحكومتين السورية والسعودية القائمة على مبدأ المعاملة بالمِثل.
بناء عليه، تعثّر تصدير الصادرات اللبنانية إلى السعودية بسبب اعتماد التجّار اللبنانيين على الشاحنات السورية في معظم الأوقات لتصدير بضائعهم.
هذا القرار أعاق وصول الصادرات اللبنانية إلى السعودية، وأخّر عمليات التصدير نتيجة نُدرة الشاحنات اللبنانية المختصة بالتصدير البرّي.
كما استُخدِم كأداة إضافية لرفع أسعار التصدير من قبل أصحاب الشاحنات اللبنانية الذين استغلّوا غياب الشاحنات السورية، وارتفاع الطلب على شاحناتهم، لرَفع أسعارهم؟!.
وبعدما كانت كلفة الشاحنة قبل ثلاثة أعوام، أي قبل اندلاع الأزمة السورية، تبلغ 2000 دولار، ارتفعت الكلفة جرّاء الأزمة إلى 3000 دولار، أمّا اليوم، وبعد قرار منع الشاحنات السورية من دخول الأراضي السعودية، أصبحت كلفة الشاحنة تبلغ 4000 إلى 4500 دولار.

المنفذ الوحيد
في هذا الإطار، قال نائب رئيس جمعية الصناعيّين في لبنان زياد بكداش: “لا شكّ إن هذه القرارات تؤثر سلباً في التصدير البري والقطاع الصناعي أيضاً”، لافتاً إلى الأضرار الناجمة عن توجه التجار إلى التصدير عبر البحر، وخصوصاً الوقت الطويل الذي تستغرقه الشحنة، حيث تمكث الباخرة 25 يوماً في المرفأ في السعودية، على سبيل المثال، وأن هذه مشكلة لم تكن قائمة من خلال التصدير البري. لذلك يتوجّه الصناعيون اليوم إلى أسواق جديدة بسبب العراقيل التي يواجهونها، مشيراً إلى أن أزمة الشحن أدّت إلى خسارة أسواق واعدة، كالعراق، وبعض دول الخليج العربي.
سماح الحكومة السورية بدخول شاحنات التصدير اللبنانية المحمّلة بالبطاطا والموز، إلى أراضيها، أكده رئيس تجمّع مزارعي البقاع إبراهيم ترشيشي، وذلك بعدما توقفت أياماً عند الحدود اللبنانية- السورية، بسبب منعها من الدخول بقرار صادر عن الجانب السوري، كرد فعل طبيعي على منع دخول المواطنين السوريين ومن في حكمهم إلى لبنان، معتبراً أن القرار يحقق انفراجاً في عملية تصدير البضائع إلى سورية، بعدما فوجئنا منذ نحو عشرة أيام بأن التجار السوريين لم يعد لديهم إجازات بالاستيراد، وذلك استناداً إلى “روزنامة” جديدة وضعتها الحكومة السورية، على حد تعبير ترشيشي.

إحصائيات رسمية
ولفت إلى أنه وفق إحصاءات اتحاد الغرف اللبنانية، لوحظ تراجع في التصدير إلى سورية هذا العام بنسبة 60% مقارنة بالعام الفائت، لغاية أواخر أيلول 2014، إذ في حين كانت سورية تصدّر سابقاً إلى لبنان 10 آلاف طن من المنتجات الزراعية، كان لبنان يصدّر إليها 25 ألفاً، أما اليوم فالعكس صحيح وأصبح الميزان التجاري لمصلحة سورية حيث لم تعد نسبة التصدير من لبنان إليها تتخطى الـ7 آلاف طن.
بقيت حركة التجارة بين سورية ولبنان حتى العام 2011 -تاريخ بدء الأحداث والاضطرابات– جيدة أصابها بعض الفتور لفترات زمنية جداً قصيرة، وبعد العام 2012 برزت تصرفات غير مسؤولة من الجانب اللبناني كمنع السوريين من دخول أراضيها بشكل اعتباطي غير مبنية على أسباب وجيهة، أرغمت الحكومة السورية على اتخاذ قرارات بعدم السماح لمئات الشاحنات من عبور أراضيها، وصولاً إلى قرارات جمركية تعيق تنقل الأفراد اللبنانيين من مبدأ المعاملة بالمثل، وإلى تشدد جمركي وأمني سوري كان له الأثر الفعال في تراجع حركة الشحن البري اللبناني، وما تخلّله من قرار بمنع دخول منتجات زراعية لبنانية إلى الداخل السوري، وبلوغ مرحلة وصفها بعض الاقتصاديين اللبنانيين والعرب بسنوات التراجع القاتل في الحركة الاقتصادية اللبنانية، التي لم ترضِ أغلب المصدرين الزراعيين وأصحاب المصانع والمؤسسات الصناعية والتجار اللبنانيين.
دمشق– سامر حلاس