ثقافةصحيفة البعث

“حارس القدس” في الموسم الرمضاني المقبل

 

أنهى المخرج “باسل الخطيب” أعمال تصوير مسلسل “حارس القدس”، وهو عمل سيرة ذاتية يتناول حياة المقاوم الكبير، المطران “ايلاريون كبوتشي”، كتابة “حسن م يوسف”، وهو من أضخم أعمال المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني، لهذا الموسم الرمضاني 2020.
يُطرح على أي عمل درامي سؤال، وهو: لماذا الآن؟ وما الذي يريد أن يقوله؟
العمل فكرته جيدة لو أنه جاء قبل الحرب الكونية الظالمة على البلاد، وذلك قبل توضح الدور التركي التخريبي المعادي لسورية وطنا وشعبا وتاريخا، فأن نأتي بشخصية كان آخر فعل نضالي لها مرتبطا بما يسمى “اسطول الحرية”، وهو خدعة “اردوغانية” ساذجة، فذلك قد يكون له نتيجة معاكسة للنوايا الطيبة لأصحاب العمل، المطران “كبوتشي” الذي امضى حياته في النضال لأجل القضية الفلسطينية، هو رجل وطني من رجالات الوطن الذين نعتز بهم، لم يوفر فرصة للتأكيد على موقفه الثابت والراسخ، وهو مثل أغلبنا كان مخدوعا بنوايا النظام التركي، الذي كان يجيد ابتكار الألاعيب الإعلامية، مثل إرسال مركب إلى غزة، بادعاء أنه يدعم القضية الفلسطينية، وفي الواقع هو يتبادل السفارات والبضائع بل وحتى الأسلحة والتعاون الاستخباري مع دولة الكيان، وأكاد اجزم بأن قداسة المطران، لو كان يعلم ما تخبئه الأيام لامتنع عن تلك الرحلة، ولكنها حدثت في زمن لم يكن فيه الخيط الأبيض واضحا من الخيط الأسود، بكل الأحوال نعلم واختبرنا حقيقة النظام التركي بالدم والنار والحديد، وكان الأجدر بنا أن نتريث قبل تبني هذا العمل، ربما بعد انتهاء هذه الحرب الظالمة وقيام الشعب التركي بلفظ هذه الطغمة الحاكمة في أنقرة، قد يكون من المنطقي تبنيه، أما في هذه الظروف فمشكلة، لأنه سوف يصب في مصلحة تلك الطغمة، فيتحول العمل عن قصده الوطني الداعم للقضية، ليصب في مصلحة أعدائها وأعدائنا معا!
ماهي الآلية والمنهجية التي اعتمدتها المؤسسة لتبني هذا العمل؟ هل لأنه مربح؟ العمل للأسف ليس مربحا، ومن الآن أجزم أنه لن تشتريه أي قناة من القنوات التي تدفع جيدا، هناك ضعف في النص واضح وذلك من الخلافات التي ظهرت بين صناعه حول القصة.
ماهي الدوافع التي تدفع المؤسسة للدخول في عمل غير مربح؟ أو بعبارة أخرى إنفاق قرابة نصف مليار ليرة سورية؟ فلنقل انها تريد الدخول في عمل وطني يتناول القضية الفلسطينية، وهذا مبرر نحترمه ويجب أن ندعمه من حيث المبدأ، لكنه لا يكفي بمفرده، فليس كل عمل يتناول قضية وطنية سامية، هو بالضرورة عمل جيد، بل على العكس إننا إذا تناولنا قضية سامية بعمل ضعيف، قد نُضر عندها بالقضية أكثر مما ننفعها! وهنا سنفترض أن الشكل جيد والمعالجة جيدة قبل أن نستبق الأحكام، وسنتغاضى عن المعطيات التي تشير إلى أن العمل ليس على تلك الدرجة من الجودة، من تلك المعطيات على سبيل الذكر وليس الحصر، هو ضعف الشبه بين الشخصية التاريخية والممثل الذي يؤديها، هذا النوع من أعمال السيرة الذاتية، الأفضل أن يؤدي الدور فيه، ممثل يظهر للمرة الأولى، لا أن نراه في مسلسل “الحارس” ثم نقلب القناة لنشاهده في “طوق البنات” أو “الواق واق”!
بعد التغاضي عن المعطيات البسيطة السابقة، يبقى السؤال ملحاً، لماذا قصة حياة المطران تحديدا؟ العمل عن رمز وطني وعروبي كبير، لكنه توفي منذ زمن قريب، مواقفه الوطنية المشرفة ونضالاته وكفاحه في وجه الصهيونية، لم تزل ماثلة في الاذهان، عادة أعمال السيرة ترجع لكشف جوانب من شخصيات مضى عليها زمن لا بأس به، بحيث أن الجمهور بدأت تغيب عن ذهنه، فتأتي للتذكير والإضاءة على نقاط أصبحت غير ماثلة في ذهن الجيل الجديد، مثلا منذ سنوات قدمت السينما الغربية الهوليودية فيلم سيرة ذاتية عن “لينكولن”، أيضا الدراما الروسية صنعت منذ فترة قريبة مسلسلا عن الملكة “كاترينا”، وهما مضى عليهما أكثر من قرن ونصف، ثم ماهي العوامل والمبررات لانتقاء شخصية لا زالت حاضرة بمفرداتها سواء في الصور أو الريبورتاجات الإخبارية وحتى في الاحاديث الشخصية وبين المعارف المشتركين، لماذا العمل ليس عن “فارس بك الخوري” على سبيل الذكر وليس الحصر؟ يجب أن نفهم لماذا وقع الاختيار على هذه الشخصية تحديدا؟ إذا كان الجواب بسبب أهمية القضية الفلسطينية بالنسبة لسورية قيادة وشعباً، فلماذا ليس العمل عن “عز الدين القسام”؟ هناك في فلسطين المحتلة شوارع وتيارات وأغاني شعبية تمجد ذكره، منها تلك الأهزوجة التي تُغنى حتى في الأعراس الفلسطينية “يا خسارتك عزالدين يا شيخ المجاهدين” دون أن يعرف الكثير ممن يرددها، أنه ذهب من مدينة “جبلة” ليحارب في فلسطين المحتلة، بل وهو الذي افتتح النضال هناك، هذا عدا عن كونه يحقق الشرط الأهم في أعمال السيرة الذاتية، من جهة تاريخ الشخصية، التي يرجع زمن بدء نضالها في فلسطين المحتلة إلى عام 1936.
التنظيمات السلفية الإرهابية، التي اشتغلت على تشويه الإسلام الحضاري، وكانت مطية للمخططات الصهيونية والغربية، والتي تسيطر الآن على عقلية العديد من المجتمعات العربية الإسلامية، بسبب الفضائيات والإعلام، ألا يجب مواجهتها بأنموذج حضاري وطني يدرك أن القضية الفلسطينية هي بوصلة النضال، مثل شخصية الشيخ المجاهد “عز الدين القسام”؟
يُخشى ان يكون المبرر الساطع لحظة اتخاذ القرار، هو لأسباب شخصية، نفعية، مثل تعدد مواقع التصوير والتكاليف الباهظة، فواحدة من مراحل حياة مناضلنا الكبير، تقع في روما، إبان سنوات نفيه من القدس، هذه تراجيديا وطنية بلا شك، وسنوات ألم عاشها مناضل وطني كبير، منفيا عن أرضه وأهله، لكنها إنتاجيا تعني حجوزات سفر وفنادق وسياحة درامية بالنسبة للقائمين على المشروع، كما كان يُخطط له عند طرحه على المؤسسة!
تمّام علي بركات