عن احتمالات تضرر الاقتصاد السوري
قبل أن تنطفئ ألسنة اللهب في مرفأ بيروت اشتعلت مجدداً الأسئلة “الأبدية” عن احتمالات تضرر الاقتصاد السوري! هناك بالتأكيد من يدرك حساسية الموقف، ويتحرق خوفاً وغيرة على سورية التي باتت في مرمى كل السهام، وعند تقاطع كل المؤامرات! وهناك بالمقابل من يستشعر “تأخر” ما يسمى “قانون قيصر” عن إحداث الصدمة المطلوبة، مستعجلاً تركيع السوريين الذين لم يسبق أن أركعتهم العقوبات يوماً ما. والحقيقة فإن كثيرين من هؤلاء برهنوا على أنهم لا يكنون أدنى حدود التعاطف، ليس مع سورية وحسب، لا بل ومع لبنان أيضاً، وهناك لبنانيون عديدون من بينهم للأسف!
“تسوية مرفأ بيروت بالأرض”، و”إبادة” أهم ميناء بحري على الضفة الشرقية للبحر الأبيض المتوسط – وبكل ما تنطوي عليه هاتان العبارتان من فجاجة، وبكل ما تتضمنانه من إحالات ليست بمنأى عن القصدية الجرمية وتفكير المؤامرة – تطرحان أسئلة “تكاليف” كثيرة من المبكر جداً المبادرة لتقديم إجابات عنها، بل وقد يكون من المجازفة الاكتفاء والركون إلى مقاربة مالية واقتصادية في وقت تبقى السردية السياسية والأمنية مفتوحة وقائمة بقوة لاعتبارات تخص أولاً العداء الذي تظهره أطراف سياسية لبنانية معروفة تجاه حزب الله وانخراطها “حتى العظم” في مشروع نزع سلاح المقاومة، ولا تنتهي ثانياً عند السعار الأمريكي لإلحاق أكبر الأذى بسورية واستعداد بعض طاقم ترامب لتدمير العالم كله، ومنه لبنان، إذا كان ذلك يخدم مشروع خنق سورية، خاصة، وأن لبنان يخضع، منذ الصيف الماضي، وربما في سبيل ذلك، لـ “انهيار اقتصادي واجتماعي مبرمج” تقوده عصابة بومبيو في البيت الأبيض، وهو يخوض مفاوضات متعثرة مع صندوق النقد الدولي الذي يسعى لفرض “خطة إنقاذ” قد يكون تهاوي الليرة أمام الدولار الأمريكي سبباً.. ونتيجة استباقية لهاً، معاً، ولكنه قد لا يكون آخر فصولها، لسوء القدر!
ما هو حجم الدمار الحاصل؟ وما هي خسائر لبنان الاقتصادية؟ ومن أين سيتم تمويل إعادة إعمار المناطق المتضررة؟ وهل يمكن إعادة تأهيل مرفأ بيروت أصلاً؟ وهل سيستطيع لبنان تعويض جزء من الخسائر عبر مرافئ أخرى؟ وما هي الاحتمالات والسيناريوهات المتوفرة أمام لبنان؟ وهل سيمكّن الوضع الاستقطابي الذي خلقته الزعامات الطائفية والمناطقية، على امتداد العقود الماضية، من طرح طرابلس كميناء بديل، مثلاً، ولو مؤقتاً؟ وهل ستكون هناك فرصة للمرافئ السورية؟ أم أن دعاة “التطبيع” سيجدون أنها فرصة “جاءت على قدميها” لفتح باب العلاقة مع الكيان الصهيوني تحت “ضغط الضرورات” الإنسانية والاقتصادية والمعيشية للبنان المنكوب الذي أطاح به “تسونامي” المرفأ، والذي لن يتردد السعوديون والقطريون والإماراتيون باختطافه نهائياً صوب خياراتهم الإقليمية، والإسرائيلية في المقدمة منها؟! أولم يبعث فارس سعيد من الموت السياسي لكي يطالب بوضع الملف بعهدة الأمم المتحدة لتشكيل لجنة تحقيق دولية لأن “لا ثقة بالأجهزة الأمنية اللبنانية” ولأن “العيش إلى جانب السلاح” مستحيل؟ في استباق لأية حقائق عن الحادثة؟ّ والسنيورة!! أولم تهرع “عربية” بن سلمان لمنحه شرف المهاترة أمام كاميراتها لكي يدعو إلى تدويل الانفجار، فيما العهد وحكومة العهد يرزحان تحت ضغوط محلية وغربية سبقت الانفجار، وستستمر بعده، لا لشيء إلا لأن حزب الله شريك في الحكومة؟!
ساعات قليلة بالكاد تفصلنا عن الكارثة، وهناك عشرات الأسئلة التي تطرح نفسها، وأسئلة أخرى تتزاحم، ولا تقل أهمية، ولكن لابد من الإجابة عنها قبل الحديث عن تضرر الاقتصاد السوري من عدمه. وإذا كان من الأفضل الآن طرح الأسئلة وليس التبرع بالإجابات، فلتكن الأسئلة أولاً عن لبنان المتعب وليس عن سورية التي تتكيف تدريجياً مع واقع الضغوط والحصار، واختطت فعلياً بداية مسار طويل من الاعتماد على الذات وتأمين البدائل المتاحة.. سورية كانت حسمت خياراتها في ظروف أدهى وأصعب، وفي مواجهة “تسوناميات” أشد فظاعة وهولاً ودموية..
كل مستجد بات وراءنا حكماً!!
بسام هاشم