صحيفة البعثمحليات

التعليم المهني.. كفاءات ومهارات ترفد سوق العمل.. والعمالة المهنية مقيدة بعقلية “الأجير”!

دمشق – زينب محسن سلوم

وضع سوق العمل في سورية وأبرز مشكلاته كان المحور الأساسي في استطلاع “البعث” حول واقع التعليم المهني والعمالة المهنية، حيث أجمعت جميع الآراء على ضرورة الاهتمام بهذه العمالة وتدريبها بالشكل الأمثل، وقد لخص المهندس المغترب أحمد خليفة تلك الآراء، حيث أكد أن هناك ملايين السيارات مقابل تخريج صفر من عمال الميكانيك وهذه مفارقة كبيرة، والمشكلة برأيه أن التعليم المهني يركّز على المطرقة، وتصليح أو تصنيع مقعد مدرسة، وفي أحسن الأحوال تصليح جهاز راديو.

أما في دول أوروبا على سبيل المثال فكلّ طالب أو باحث عن التدريب والعمل يحق له فرصة الدخول لمدارس ومعاهد مختصة ليتخرّج منها بعد عامين كـ”مهني ماهر” من حيث التعامل علمياً وبجودة عالية مع مهنته، حيث توفير كامل مستلزمات التدريب والتأهيل، وأكد أن ذلك الأمر موجود كذلك في مهن “البناء والنجارة والبرمجة والمعالجة الفيزيائية”، والكثير مما تحتاجه بلادهم من حرف ومهن يتطلبها سوق العمل. ولفت إلى أن تلك الأماكن تؤمّن الحافز المادي من خلال راتب كامل للطالب أثناء دراسته وحتى بعد تخرجه إلى أن يجد عملاً، وبناءً على ذلك علينا ألّا نشتكي أو نتفاجأ من قلة مهارة أصحاب المهن لدينا وانعدامها عند البعض ووقوعنا غالباً فيما يشبه الاحتيال “الخورفة”، حتى العامل تحت التدريب “الأجير” في تلك المحال والورشات سيأخذ مجمل سلبيات “معلمه” في الدكان أو الورشة ويعمل بها نتيجة بعده عن العلم، مبيناً أن معظم العمالة لدينا تعلّمت بطريقة “صبي أجير”، وبالتالي لا منهج في عملهم، والتعليم المهني لدينا يعاني ظروفاً صعبة والمهن بسيطة دون مواكبة مستمرة للتطور.

ووفقاً للمهندس خليفة فإن العمالة الماهرة تحظى باهتمام أوروبا والدول المتقدّمة حالياً، والعامل الماهر من كلّ دول العالم يجد فرصته في سوق العمل العالمي فوراً قبل عشرات المهندسين والمحامين وغيرهم من أصحاب الشهادات والدارسين، كما أن المهني الماهر قادر على تحريك عجلة الاقتصاد أكثر بكثير من مهندس غير كفؤ، والمهندس الماهر بحاجة للعديد من المهنيين المهرة كي يستطيع تطبيق أفكاره الابتكارية بالشكل الأمثل على أرض الواقع. وأضاف المهندس: إن أغلب حركات الاقتصاد والصناعة والإنتاج هي حركة خدمية روتينية وليست ابتكارية، ولذلك فالحاجة للمهنيين المتدرّبين بالنسبة لازدهار المجتمع أكبر بكثير من ناحية العدد.

وطالب خليفة بتطوير المعاهد والمدارس التقانية ورفع جودة التدريس فيها، فليس من المعقول أن تتراجع عقوداً عن المناهج المطلوبة لمواكبة سوق العمل، كذلك لا بدّ من تطوير ثقافة الأهل الذين يتسابقون للتعليم الجامعي لأبنائهم، حيث لا أفق ولا عمل مضموناً، في حين أن المهنة تحمي تماماً أبناءهم من الفقر والعوز وتؤمّن لهم السرعة للإقلاع ضمن معظم أسواق العمل، فتعليمنا لا يؤدي إلى فرص عمل وهذه كارثة.

من جانبه، بيّن معاون وزير الشؤون الاجتماعية والعمل محمد فراس نبهان، في حديث خاص لـ”البعث” أن القطاع المهني يعتبر من القطاعات المهمّة والأساسية في سورية، وخاصةً من خلال المرحلة القادمة “مرحلة إعادة الإعمار”، منوهاً بأن أهمية التعليم المهني تأتي من دوره في تخريج كفاءات مهنية قادرة على تأمين مستلزمات البنى التحتية لسورية في هذه المرحلة، لترفد سوق العمل بمتطلباته، وأكد ضرورة توسيع نطاق التعليم المهني وخاصةً في المرحلة ما بعد الثانوية، وربط مخرجاته بسوق العمل.

وأوضح نبهان أننا في الوقت الحاضر، ونتيجة لما أفرزته الحرب من آثار سلبية على مختلف القطاعات بات من الضروري العمل على تخريج عمالة مهنية مدرّبة ومسلحة بالمهارات اللازمة للانخراط في سوق العمل بمختلف قطاعات العمل، الصناعية والتجارية والسياحية والزراعية؛ لسدّ النقص الحاصل في هذه التخصّصات على جميع الصعد.

وبيّن نبهان أن الجمهورية العربية السورية عملت من خلال تشريعاتها العمالية على التأكيد على أهمية التعليم المهني، ولاسيما في مجال القطاع الخاص، فالقانون رقم 17 لعام 2010 أوجد باباً كاملاً هو الباب الرابع يتألف من 15 مادة تنظم العمل والتدريب المهني في المنشآت المهنية، بحيث تدفع إلى سوق العمل عمالاً مهنيين مدرّبين تتوافر لهم ظروف العمل اللائق والأجر العادل وتحقق مبدأ تكافؤ الفرص.

وأشار إلى أنه حالياً طُرح موضوع التلمذة الصناعية كتوصيةٍ من منظمة العمل الدولية في أعمال الدورة 111، ونظم الاتحاد العام لنقابات العمال ورشة عمل ضمت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وغرف الصناعة، والتجارة، والزراعة، وبعض الجهات المعنية للتعريف بالتلمذة الصناعية والتعليم المهني وتسليط الضوء على دوره في رفد المنشآت والشركات بكوادر بشرية جيدة ومدربة، مؤكداً أن الوزارة ستكون الجهة الداعمة لتنفيذ أي مطلب يصبّ في مصلحة تأهيل وتدريب الأشخاص ليكونوا مستعدين لدخول سوق العمل.

وبيّن معاون الوزير أننا “نسعى جاهدين لمعالجة الإشكاليات المتعلقة بسوق العمل، حيث يتمّ العمل على منصة نظام معلومات سوق العمل بالتعاون مع الجهات الحكومية الشريكة وبدعم من المنظمات الدولية، وسيتمّ إضافة هذه المنصة لدى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التي ستتولى إدارة وتشغيل ومتابعة المنصة”.

كما بيّن أن هذه المنصة تعتبر من الأدوات الحكومية المهمّة لإعادة تنظيم سوق العمل كونها ستسهم بتوفير البيانات اللازمة وتحليل هذه البيانات للاستفادة منها في دعم متخذي القرار برسم السياسات التشغيلية الأنسب والتخطيط على أسس علمية لسوق العمل في ظلّ وجود مجموعات مختلفة من الأدوات، والتي من الممكن استخدامها لزيادةِ كفاءة الباحثين عن عمل تتعلق بالتكاليف والسرعة ونوعية المواءمة للأعمال، موضحاً أن توافر المعلومات أمر ضروري لأداء سوق العمل لوظائفه، حيث تنخفض تكاليف البحث عن عمل بالنسبة لكلّ من الباحث عن عمل وصاحب العمل عبر تدفق المعلومات بين جانبي العرض والطلب فيما يتعلق بالفرص المتوفرة والمَهارات المطلوبة.