دراساتصحيفة البعث

شرق المتوسط.. صراعات متدحرجة على الطاقة

ريا خوري

احتلت الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط أهمية كبيرة في استراتيجيات الدول التي تحتاجها، مما جعل تلك الدول تبحث عن النفط والغاز وتستحوذ عليه حتى باستخدام أعتى الأسلحة في العالم، إلى جانب استخدامها الدبلوماسية الناعمة ودبلوماسية المدفع. ولكن لا ينبغي أن نبالغ في تقدير الأهمية الاقتصادية للاكتشافات النفطية في شرقي  المتوسط، وذلك لأسباب عدة أهمها أن العالم لا يعاني من شح الطاقة،  فالاحتياطات النفطية العالمية تكفي لعدة سنوات، وخاصةً مع وجود موارد جديدة من الطاقة المتجددة كبديل أفضل عن الطاقة الأحفورية. وعلى الرغم من كل ذلك، فإن الاكتشافات الجديدة للحقول النفطية في أعماق البحر الأبيض المتوسط، لعبت وساهمت في تغيير الكثير من الاستراتيجيات والتكتيكات الدولية، وأعادت خلط أوراق الجيوبوليتيك المعقد في منطقتنا والدول المتشاطئة على المتوسط .

في بداية القرن الواحد والعشرين بدأ التطلع إلى مخزونات الهيدروكربونات في شرقي المتوسط  ليعيد إحياء  الخلاف الحاد بين النظام التركي واليونان حول قبرص بدل أن يتم وضع خطة لاغتنام فرصة ذهبية لتخطي هذا الخلاف، والتنسيق والتعاون بين البلدين المتصارعين للاستغلال المشترك للآبار النفطية  وآبار الغاز المكتشفة. فلم يتم تشكيل لجنة حوار أو تنسيق أو وضع مذكرة تفاهم، بل أكثر من ذلك أدى الحجم الضخم لحقول الغاز الكامنة في المتوسط لدخول لاعبين جدد إلى ساحة المنافسة وحتى إلى حلبة الصراع .

لقد اكتشفت جمهورية مصر حقل غاز ضخم هو حقل زهر، والذي يعتبر أضخم وأهم  حقل غازي مكتشف حتى الآن  في المنطقة.، و على الجانب الآخر هناك لبنان، التي يقدر الغاز فيه بعشرات التريليونات من الأمتار المكعبة من الغاز.. هذه الثروة تشكل فرصة نادرة لدول المنطقة كي تحلم بتحسين أوضاعها الاقتصادية الصعبة والقاسية، على سبيل المثال يرتبط اقتصاد قبرص بالموارد المصرفية، وهي الخارجة لتوها من أزمات مالية حادة بفعل الأزمة اليونانية، وهي تتطلع إلى الحصول على اكتفاء ذاتي في مجال الطاقة وتحديداً الغاز، بل وتصديرها أيضاً. أما مصر فهي تعاني بدورها من أزمات اقتصادية حادة، وترى أن حقل زهر يسمح لها بالتطلع نحو الازدهار الاقتصادي. أما النظام التركي فهو الآخر يسعى للوصول إلى مركز القوّة الإقليمية المتوسطية ، لا سيما بعد زوال طموحه بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

لقد دفع غاز شرقي المتوسط الدول المتشاطئة إلى المسارعة إلى تحديد مساحاتها البحرية، وهذا ما يؤجج الصراعات، فقد أحيا صراعاً قديماً جديداً بين مصر والنظام التركي، وبين الأخير وقبرص. كما سمح لنظام أردوغان بالتدخل في ليبيا، والتي قامت بتحديد منطقتها الاقتصادية الحصرية الخاصة بها. زد على ذلك  التنقيب عن النفط قبالة جزيرة أفروديت، والذي تندِّد به فرنسا على وجه الخصوص والاتحاد الأوروبي على وجه العموم  الداعم لقبرص.