مجلة البعث الأسبوعية

عبد الوهاب رجولة.. عالم سحري لا أريد الخروج منه.. وريشة لا تزال تضيء بألوان الطفولة!!

“البعث الأسبوعية” ــ جُمان بركات

جميل في درب العطاء أن تجد من يشبه فيتالس، المغني الأوبرالي المغمور، وصاحب العربة في قصة “ريمي”، المسلسل الكرتوني الشهير، في جوارك وفي الحياة ومن حولك، يزورك كل حين، ويبث من روحه الأمان في المحيطين به بأن الإرادة لتحقيق الذات في هذه الحياة سهلة المنال إذا أتقنا فنون صناعة أنفسنا.

عبد الوهاب الرجولة فنان قصص مصورة، عشق كتب ومجلات الأطفال وهو طفل صغير، فصار من أهم روادها في بقية سنين عمره، وحتى هذه اللحظة، فهو الرجل الدؤوب الذي تجاوز الخامسة والستين، وما زال ذاك الباحث عن مكنونات الجمال.

عبد الوهاب الرجولة تجربة إنسان مكافح، تستحق الوقوف عندها والتعرف على ما تملكه! الحديث مع عبد الوهاب كان محض مصادفة، بعد حديث عابر عن معاناة الحياة اليومية، وكيف يستغل السوريون كل الظروف لتقديم كل ما عندهم لتحقيق أحلامهم، وكان لـ “البعث الأسبوعية” معه هذا الحديث الذي يشبه نوعاً ما استراحة محارب جلس يستفيء في ظل شجرة ليعاود النهوض من جديد، ويحمل أسلحته للمضي قدماً في معركته مع المساحة البيضاء.

عن بداياته في الرسم للأطفال، قال عبد الوهاب رجولة: “.. كانت عند الأهل. أذكر جيداً أن والدتي كانت تمسك بيدي وأنا طفل صغير في دروب حارتنا المرصوفة بالحجارة، وندخل محل بيع الكتب في طرف الشارع المقابل لمنزلنا، وتشتري لي مجلة “سمير”.. من يومها دخلت عالماً سحرياً من الشخوص والحكايات والألوان لم أستطع أبداً الانفلات منه إلى هذه اللحظة، يضحك، ويعقب: ولا أريد الخروج منه أصلاً!!

 

شرارة

يصف رجولة مجلة الأطفال التي نالها في الصغر بشرارة التعلق، وعنها يتحدث: في الحقيقة، أسرتني طريقة سرد الحكايا، وكيف اللوحة تمشي مع النص خطوة بخطوة لتعبر عنه، عندها تعلقت كثيراً وأحببت هذا الفن “فن الكوميك”، ورحت أقلد رسوم المجلات في كل مساحة صغيرة أو كبيرة تقع أمام ناظريّ، وبكافة الوسائل والأدوات من أقلام وطباشير وريشة.

 

الشغف بالبحث

بالتأكيد، هناك محطات مميزة، أو ذكريات أثرت في عبد الوهاب رجولة، وجعلت هذه الموهبة تنصقل بشكل أكبر.. عن ذلك يقول:

بدأت الرسم أولاً بأقلام الفحم ورسمت شخصيات ومناظر طبيعية، ثم انتقلت بعدها إلى الألوان الزيتية والغواش المائية، ثم بدأت استخدام الكومبيوتر في الرسم والتجبير والألوان، ومن شدة شغفي بهذا الفن بحثت عن فرصة عبر أصدقاء لي وأقارب للسفر إلى إسبانيا، إذ اختلفت المعايير والشغف والمقاييس الفنية والروحية في داخلي تجاه الفن عموماً، وفن الطفل بشكل خاص، بعد زيارتي للعاصمة مدريد ومدينة ملقا، فتعلمت من المعهد الكثير عن الألوان والتشريح، وقد تأثرت كثيراً بالرسام هال فوستر وبيرني هوغارث، وأحببت الفنان البلجيكي فرانكن، واستطعت الحصول على كل مجموعاتهم القصصية الشيقة.. كنت أتأملها في أوقات فراغي، وأستقي من خطوطهم وتفاصيلهم الكثير، ولا زلت شغوفاً بالبحث عن مجلات كثيرة، ومجلدات “تان تان” للرسام البلجيكي هيرجيه، ونخبة فناني الكوميك في أوروبا.

 

محطات

وعن المحطة المحلية في رحلته، يضيف: أولى القصص التي قدمتها كانت تاريخية، مثل “ليالي عربية”، و”الأميرة آن”، ثم بدأت في طريق البحث والطلب في إيجاد فرصة للعمل في مجلات سورية ودور نشر محلية.. بعد هذا البحث، تم عرض رسوماتي على المدير الفني لمجلة “أسامة”، الفنان رامز حاج حسين، الذي رحب بي بشدة، وبأعمالي، وتبنى فوراً خطوطي، وراح يحفزني، وطلب مني تقديم قصة من صفحتين، وقصة تاريخية من خمس صفحات، هي “غرناطة” لمجلتنا الحبيبة “أسامة”، وبدأت رحلتي المميزة في كتب ومجلات وقصص وزارة الثقافة ودور النشر المحلية، لتتوالى الأعمال بعدها، مثل “نوادر جحا” و”قراقوش”، ورسمت لمجلة “براعم”، و”العربي الصغير”، و”سمير”، و”فارس” المصرية، ولعدة دور نشر.

 

ضوء الشارع

لكل مبدع معاناة من نوع خاص في طريقه.. عن المعوقات التي عاشها الفنان رجولة، قال:

ككل الفنانين في سورية، أعاني من غياب المناهج التدريسية وورش العمل في مجال فن القصة الموجه للطفل، ومن غياب المراجع والكتب المختصة في هذا المضمار، عدا عن صعوبات كثيرة خاصة بي، حيث أعيش مع أسرتي في منزل متواضع، وأضطر أحياناً بسبب ضيق المكان لأرسم الكثير من لوحاتي في المقعد الخلفي لسيارتي الصغيرة، مستعيناً بضوء الشارع، وغياب قطع التبديل لبعض الأجهزة التي أعمل عليها، كالقلم الالكتروني وبطاريات الجهاز الحاسوبي المحمول، وغلاء ثمنها.. مثلاً يتسبب انقطاع الكهرباء المفاجئ بضياع الملف بأكمله، وهذا مضيعة للوقت وضياع لجهد ساعات طوال، فأعاود العمل على الكثير من اللوحات من الصفر. مع ذلك، ما زلت أصر على أن الأمل موجود في جيناتنا السورية، لخلق ظروف تناسب أي وضع وظرف يمكن أن نعيشه.. لابد لنا من الاستمرار في طريق الإبداع، ولا مناص ولا مهرب منه إلا إليه، ودرب الطفولة يستحق التعب.

 

صناعة مربحة

وعن واقع هذا النوع الفني من ثقافة الطفل، تحدث عبد الوهاب الرجولة بكثير من الشجن والحزن:

هذا الفن – كما أقول دائماً لزملائي في الدرب – صناعة، بل وصناعة مربحة تدر أموالاً كثيرة لدور النشر والقطاعات الثقافية التي تعمل بها، ففي الخارج هناك معارض سنوية لفن “الكوميك” تديرها كبرى شركات الرعاية والإنتاج، وتمول الكتّاب والفنانين والمشتغلين على إخراج تلك القصص المصورة للأطفال بأبهى حلة، فيتنافس الجميع من شركات الإنتاج ودور النشر لاحتلال الصدارة عن أفضل نص، أو أفضل حبكة وسيناريو، أو عن أفضل رسم وإخراج فني؛ ولو وعينا هذه النقطة في بلدنا لكانت هناك سوق تنافسية يتم فيها خلق العديد من فرص العمل للموهوبين، واستقطاب المواهب المخفية القابعة في زوايا لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال هكذا فعاليات وتظاهرات فنية ومعارض دائمة.

 

طاقة للمستقبل

يؤمن عبد الوهاب بوجود طاقات قادرة على تنفيذ هذا المشروع الضخم، قال عنها: أنا مؤمن أن هناك الكثير من المواهب لم يتم بعد الكشف عنها، وستشكل هذه المسابقات الدورية والمكافآت المجزية والأجور العالية للكتابة والرسم فرصة لها للتنافس والظهور إلى دائرة الضوء، والعمل على تطوير هذا المضمار، فأنا مثلاً أغار من زميل لي يتقن الرسم بطريقة احترافية، وأحاول التعويض بعملي اللاحق ورسم شيء مميز ومتقن؛ وهذا الدافع والغيرية في العمل ستشكل لدي الكثيرين، كما شكلت لدي، الدافع الدائم للتطوير، وسيكون لهذه الصناعة الثقافية الخير العميم في المستقبل.

 

هوية منسية

وبين العزف على آلات الموسيقا والرسم.. أين وجد الرجولة نفسه أكثر، أجاب: آه..!! كان ذلك في بداية هوايتي الشبابية – كما يقال – لقد أرجعتني لذكريات موغلة في الزمن – يضحك ويكمل – كنت أمارس هوايتي وشغفي بالغيتار حتى أتقنت العزف عليه بشكل كبير، وكان الرسم مجرد هواية ألجأ إليها وقت الفراغ ومطاردة الأفكار لكتابة سيناريو أو قصة.

أما الآن فالآية معكوسة تماماً.. أجد نفسي بين الأوراق وريَش التحبير والألوان أكثر، وأمارسها بشكل نهم كالجائع للون، أما العزف على الغيتار فأصبح هواية منسية لعدم إيجاد أي فرصة مناسبة لي لممارسته كمهنة وعمل دائم.

في الختام، توجه الفنان رجولة للمشتغلين الشباب في هذا المجال، حيث قال: هناك كلمة لهم وكلمة للقائمين على هذا العمل وهذه الثقافة.

للشباب أقول بأن الهدف الأساسي الذي يجب أن ننشده دائماً هو إنهاء العمل بشكل نرتضيه لأنفسنا، ولا نعلي سقف التوقعات، ونبني “الكوميك” الذي نحب خطوة خطوة ريثما يتسنى لنا منبر للتعبير بشكل احترافي عن ذاتنا.

أما بالنسبة للمسؤولين عن ثقافة الطفل، فقد آن لنا جميعاً أن نهتم بهذا الفن ونعلي صروحه ونجزل العطاء في سبيل تحويله لصناعة ثقافية وطنية رائدة.