مجلة البعث الأسبوعية

 أجمل مكان للأرواح.. دار الكتب الوطنية بافتتاح فوّاحّ!! 

“البعث الأسبوعية” ــ غالية خوجة

أشرق حجر أساسها الأول عام 1937، وبدأ إشعاعها الثقافي الحضاري عام 1945، ليكون اسمها الأول “دار..”، فتتسع لجميع الراغبين في الارتواء من العلوم والمعارف والآداب، وكنيتها “.. الكتب” لترتبط بلا فكاك مع الكلمة المضيئة للوعي، ويكون انتماؤها لهويتها الحضارية المتجذرة “الوطنية”.

ولأن دار الكتب الوطنية من أعرق وأقدم وأكبر المكتبات محلياً، وعربياً، وعالمياً، فإنها تظل داراً للأدباء والمثقفين والفنانين والتشكيليين وعشاق الأدب والقراءة والفنون والمعرفة والعلم والدراسات والبحوث، وتظل مشرقة بما يزيد على 100 ألف عنوان، منها المخطوطات النادرة والكتب المتفردة والكنوز المعرفية المتنوعة التي يتجاوز عمر بعضها 150 عاماً، لتشكّل مرجعاً رئيساً لطلاب العلم والمعرفة والبحث سواء في المدارس والمعاهد والجامعات، ولهم قاعة مخصصة “قاعة عمر أبو ريشة”، كما تشكّل عالماً مختلفاً للقراء وما توفره قاعة المطالعة التي تستوعب 150 قارئاً، إضافة إلى مسرحها الذي يتسع لأكثر من 300 شخص، وقاعاتها المختلفة التي تعقد فيها المؤتمرات والملتقيات والمهرجانات وتقام فيها الندوات والأمسيات ومعارض الكتب والتراث والتشكيل.

 

حراس الضوء منتصرون

ولأنها منارة مميزة بحلب على كافة الأصعدة البنائية العقلية والروحية والمجتمعية والمكانية الفاتحة قلبها على ساحة باب الفرج بحلب، استهدفها الإرهاب الظلامي بصواريخه ونيرانه بعدما تمت صيانتها عام 2011، لكن جمالها الداخلي، وجمالياتها المتجذرة إيغالاً في حضارة الأبجدية الأولى، جعلتها أقوى صموداً وانتصاراً، وهذا ما ساهم به الجنود المجهولون الذين حافظوا على هذه الدار وكنوزها مجسدين جماليات القيمة الوطنية التي دافعت وصمدت وانتصرت، فمنهم من حماها من داخلها مع عائلاته، ومنهم من حافظ على نفائسها بتخبئتها بعيداً عن النيران الوحشية المتوحشة، ومنهم المواطنون والموظفون والعاملون، وأيضاً مديرها الحالي الشاعر محمد حجازي، الذي ساهم مع من ساهم في الحفاظ على الدار فترة الحرب، مع استمرار العمل الثقافي أثناء الحرب أيضاً، لأن النور لا بد وأن ينتصر على الظلام.

وبمناسبة إعادة افتتاح دار الكتب الوطنية، بتاريخ (11/02/2021)، قال حجازي لـ “البعث لأسبوعية”: لم تستطع الحرب ولا مغول العصر، الذين كانوا على مقربة من رمي كتبنا في نهر قويق، إيقاف وتيرة الحياة الثقافية والفكرية، فقد كان لرجال النور وحراس الضوء رأي آخر، فسلام للذين أقفلوا أعمارهم على مداخل البيوت لتظل بسمات الأطفال وارفة.

وأضاف: ونحن ننهي المشروع الثاني من ترميم دار الكتب، وقاب خفقتين من إعلان الافتتاح، نستذكر عقوداً مرت كان يجلس فيها طه حسين وعباس محمود العقاد وبنت الشاطئ على منبر دار الكتب، ونستذكر الإلهام الكبير الذي منحته هذه الدار لأهل حلب وجميع روادها من كافة أرجاء الوطن العربي، ونأمل أن يعود لها هذا البريق سريعاً، وإن كنا نسارع في بناء الحجر فلابد أن تتوازى هذه النية الخالصة مع بناء الإنسان، ورفد المجتمع بطاقات فكرية خلاقة، وأتوقع من خلال توافد الناس على الدار طيلة فترة الترميم، وسؤالهم عن موعد افتتاحها، أتوقع عودة مجيدة وألقاً كبيراً، وأن يعود منبر دار الكتب منبراً عربياً وعالمياً كما كان وأجمل.

 

صرح الذاكرة الحلبية لا ينطفئ

بدوره، أكد جابر الساجور مدير الثقافة بحلب على أهمية هذا الصرح الثقافي في الذاكرة الحلبية خصوصاً، والسورية عموماً، مضيفاً: تم إنجاز المرحلة الثانية من إعادة تأهيل دار الكتب، والآن يتم التحضير للمرحلة الثالثة والنهائية، وقد تمت تجزئة إعادة التأهيل على ثلاث مراحل حسب توفر الاعتمادات وخصوصية الدار للمحافظة على الأوعية الفكرية الموجودة في الدار والتي تتجاوز المائة ألف وعاء فكري ومعرفي، علماً أن استثمار مسرح الدار يعود لمديرية المسارح والموسيقاـ مسرح حلب القومي ومديرية الثقافة.

وأضاف: كما تم وضع برنامج عروض مسرحية لأربعة أعمال: “المعطف” ــ إخراج حكمت عقاد، “بطرس والعسل المسحور” ــ إخراج أسامة عكام”، وحفل “يوم المسرح العالمي” ويتضمن عرضاً مسرحياً من إخراج عمر شعراني، والعرض الرابع أوبريت “عودة السندباد” للكاتب عبدالفتاح قلعه جي، وإخراج إيليا قجميني”.

وأردف الساجور: أمّا البرنامج الثقافي العائد لمديرية الثقافة فقد تمّ اختيار برنامج ثقافي متنوع بوصلتُه النوعية والتميز، ومعياريته ما يتناسب مع القيمة التاريخية والثقافية الكبيرة للدار، كما تم التركيز فيه على جدارة المشاركين. وسيتم التنسيق مع مديرية التربية لتنظيم رحلات ثقافية لطلاب المدارس تباعاً لإطلاعهم على مقتنيات الدار والخدمات التي تقدمها وعرض أفلام تحقق المتعة والفائدة للزائرين، كما تجري جهود حثيثة لعودة قاعة المطالعة للعمل وإعارة الكتب والدوريات داخلياً فقط.

 

حدث حضاري متكامل

وأكد الباحث الكاتب محمد قجة الرئيس الفخري لجمعية العاديات بحلب على أهمية دار الكتب الوطنية في حلب المحروسة العظيمة كمعلم ثقافي رائع وحيوي يعكس الرقي والحضارة والأصالة، وافتتاحها من جديد حدث حضاري متكامل يؤكد ذاكرة المدينة. وأشار قجة إلى الشاعر ابو ريشة الذي كان من أوائل مديريها، وتلاه الأديب المبدع المتميز سامي الكيالي.

 

خط الدفاع الوطني الأول

ورأى الكاتب محمد سمية مدير مركز الصاخور الثقافي العربي أن التراث اللامادي يشكّل الهوية الثقافية والحضارية للأمم والشعوب، وهو خط الدفاع الأول في المنظومة الدفاعية للحروب المعاصرة، ومن هنا تأتي أهمية الكتاب والمكتبات بصفتها مخزوناً آمناً للحفاظ على التراث الفكري والرصيد الحضاري للمجتمع.

وتابع: إعادة البناء تبدأ ببناء الإنسان المشكّل لبناء المجتمع، ولذلك، تبرز أهمية إعادة تأهيل دار الكتب الوطنية كصرح ثقافي حضاري شامخ راسخ، يضم عدداً كبيراً من أمهات الكتب والموسوعات التاريخية والعلمية والأدبية وأرشيفاً من الدوريات والمجلات والوثائق القيمة، توالت على إدارتها منذ افتتاحها شخصيات ثقافية تعتبر نجوماً معرفية وإبداعية في الفضاء العربي، وزارها أعلام الأدب والفكر العربي وأقاموا فيها أمسيات ثقافية ومحاضرات، كما أهداها العديد مكتباتهم الخاصة، وأبرزهم العلامة خير الدين الأسدي.

 

إشراقة متجددة

ولرؤية هذه الإشراقة المتجددة، من المتوقع أن تحضر الافتتاح شخصيات رسمية وثقافية وفنية وأدبية وفكرية وإدارية وسياحية واجتماعية من كافة أنحاء سوريتنا الحبيبة.