البيت الأبيض يحكم قبضته على السودان
“البعث الأسبوعية” ــ سمر سامي السمارة
في الفترة التي تسبق مخاض الانتخابات الرئاسية، يعمل البيت الأبيض جاهداً للبحث عن طرق تظهر “نجاحاته” المزعومة، مركزاً، في هذا الصدد، على الساحة الدولية، حيث عمل على توسيع قائمة الدول العربية والإسلامية “المستعدة” لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل “برعاية واشنطن”. وفي هذا السياق، أبدت إدارة واشنطن نشاطاً حثيثاً في الأيام الأخيرة فيما يتعلق بمعاملة السعودية والسودان كمرشحين محتملين لإدراجهما على هذه القائمة.
ومن الجدير بالذكر، أنه للمساعدة في تحقيق “صفقة القرن”، التي سبق وأعلنها ترامب للتوصل إلى “تسوية” في الشرق الأوسط، وتحت ضغط متزايد من البيت الأبيض، وقعت كل من الإمارات والبحرين، في 15 أيلول الماضي، اتفاقية تطبيع مع “إسرائيل” في واشنطن. وفي الوقت نفسه، بدأت وزارة الخارجية الأمريكية مرحلة العمل بنشاط على السودان، مستفيدةً من مصلحة نظام الحكم الجديد برفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب – كما وعدت واشنطن – مقابل السماح للخرطوم بالاستدانة من صندوق النقد الدولي والحصول على المساعدات الاقتصادية.
يعيش السودان، منذ أواخر عام 2018، فترة من عدم الاستقرار الناجم عن الانكماش الاقتصادي والاحتجاجات الشعبية التي تلت ذلك. وفي نيسان 2019 ، أطاح انقلاب عسكري بالرئيس عمر البشير، وتم سجنه بعد أن حكم البلاد مدة 30 عاماً. وفي 3 تشرين الأول الجاري، وقّع المجلس العسكري الانتقالي السوداني و”الجبهة الثورية السودانية” اتفاقاً ينُظر إليه كعلامة مهمة نحو تحقيق المصالحة في السودان. وبحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، فقد بدأت بالفعل “مفاوضات هادئة” للتوصل إلى هدنة بين السودان و”إسرائيل” منذ العام 2019، إذ التقى رئيس المجلس العسكري الانتقالي السوداني، عبد الفتاح البرهان، برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في شباط 2019، واتفقا على العمل من أجل التطبيع التدريجي للعلاقات. وفي 21 أيلول الفائت، وبمبادرة من واشنطن وبمشاركتها المباشرة، عقد اجتماع في أبو ظبي بين ممثلين عن الإمارات العربية المتحدة والسودان، حيث جرت مناقشة اتفاق محتمل لتطبيع العلاقات بين الخرطوم و”إسرائيل”. كما تمت الإشارة إلى أن الحكومة السودانية تطلب ما يربو على 3 مليار دولار من المساعدات الإنسانية والمساعدات المباشرة إلى ميزانية الدولة لمساعدتها على تجاوز الأزمة الاقتصادية، حيث يُزعم أن واشنطن وأبو ظبي وعدتا بتقديم المساعدة خلال السنوات الثلاثة المقبلة. كما أشير إلى أن الخرطوم تريد من إدارة ترامب رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب. ومع ذلك، ولتحقيق ذلك، يتعين على السلطات السودانية تلبية عدد من المتطلبات، بما في ذلك دفع 300 مليون دولار كتعويض لأسر الأمريكيين الذين لقوا حتفهم نتيجة الهجمات الإرهابية المزعومة. وفيما يتعلق بمحاولات واشنطن المستمرة لـ “التقريب” بين السودان و”إسرائيل”، فقد أصدر مجمع الفقه الإسلامي في السودان فتوى تحظر تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”، ورداً على ذلك، نشر رئيس دائرة الفتوى في هيئة علماء السودان، الشيخ عبد الرحمن حسن حامد، الداعم للانقلابيين، فتوى أخرى تجيز تطبيع هذه العلاقات.في 12 تشرين الأول، أشار الرئيس السابق لمجمع الفقه الإسلامي في السودان، عبد الرحيم علي، إلى تنامي مقاومة الأحزاب السياسية والنقابات والمؤسسات والجمعيات الأهلية في السودان لتطبيع العلاقات مع “إسرائيل”، محذراً من اندلاع الاضطرابات في البلاد في حالة فرض عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني على الشعب السوداني، وشدد على أن نسبة معارضي التطبيع اليوم تتجاوز 80٪، وهؤلاء يرون أن التطبيع يعني احتلال الأراضي الفلسطينية وحرمان الفلسطينيين من حقوقهم. لذا، يمكن القول إن الخطوات التي اتخذتها الإمارات والبحرين، في 15 أيلول، نحو تطبيع العلاقات مع “إسرائيل” قد أثارت بالفعل موجة من الاحتجاجات في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وعليه يمكن القول أن احتمالية أن يتخذ الشعب السوداني إجراءات مماثلة، بعد هذا النوع من التقارب مع إسرائيل، هي أمر واقعي. نظراً لاقتراب الانتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة، بدأ البيت الأبيض في إظهار انفعاله بشكل متزايد، حيث كان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو مصراً بشكل خاص على الدفع باتجاه تحقيق انفراج في علاقات السودان مع “إسرائيل” في الأسابيع الأخيرة. ووفقاً لمصادر قناة “سي إن إن” التلفزيونية الأمريكية، فقد وعدت الولايات المتحدة أنه في حال توقيع اتفاقية مع “اسرائيل”، فإن من المحتمل استبعاد السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، كما ستتم إعادة هيكلة ديونه. ونظراً لطلب البيت الأبيض الملح، ولهجة الإنذار النهائي، اضطرت الحكومة السودانية في 15 تشرين الأول للاجتماع لمناقشة اتفاق بشأن تطبيع العلاقات مع إسرائيل.في ظل هذه الظروف، لم يكن مستبعداً أن يؤدي كل هذا الضغط على الخرطوم إلى إجبارها على التوقيع على اتفاقية الاعتراف بإسرائيل، ولكن مسألة ما إذا كانت الرياض ستتخذ قراراً مماثلاً بين عشية وضحاها أم لا، مسألة أخرى تماماً. وعلى كل حال، فإن البيت الأبيض وموقف رعاة البقر يقف خلف كل ذلك؛ وبالنسبة له، فإن الاستعراض العلني “لنجاحه” أكثر أهمية من مستقبل الشرق الأوسط، وهذا يشمل مستقبل الشعبين الفلسطيني والسوداني اللذين بلا شك لن يلتزما الصمت بشأن ما يحدث، الأمر الذي يمكن أن يدفع هذا السودان إلى الفوضى وعدم الاستقرار الداخلي مرة أخرى.