فيروز وبس!!
“البعث الأسبوعية” ــ حنان حموي
وإذا ما اجتمعت النجوم لتلقي من عليائها نظرة برّاقة على سماء الشام، لحظة شروق الشمس، قبل أن تنسحب إلى مقرّها النهاري، هناك خلف القمر، بانتظار المساء، ستجد أن سحابة شفيفة زرقاء بلون التركواز، الحجر الكريم جداً، تخيّم على سكون الصباح، والصوت المخملي النادر ينساب من حيث لا يدري السامع، من خلف زجاج النوافذ في البيوت الفخمة، ومن تشققات الجدران في الأكواخ البائسة. وتسأل النجمات عن صاحبة الصوت، وهنّ عالمات، من أنتِ؟ ليواصل الصوت شدوه: “أنا عصفورة الشمس، أنا زهرة الحرية..”، ويأتي الصدى من بعيد مردداً: “أنا حَجَرة، أنا سوسنة يا وطني”، لا بل “أنا على بابك قصيدة، كتبتها الريح العنيدة..”.
هناك، عند التلال، يتذكر العندليب صوتها يوم تكثفت غيوم الشر الداكنة، فأمطرت الأقدار ظلماً فوق أرض الأجداد، حينها جاء صوتها هادراً: “الغضب الساطع آتٍ”، فيما كانت تحاول إخفاء خوفها “من عتم الليل”، ويتذكر البلبل كلماتها بعد انحسار غبار العنف، ودخانه، لتبكي مع حزن الأمهات المفجوعات: “أنا الأم الحزينة..”.
ويتدخل الكنار ليذكّر بأنها عادت وألقت الحزن جانباً وارتدت ثوب التحدي: “أنا شهرزاد” الشجاعة الرقيقة التي لا يهدأ لسان قلبها عن الخفقان بإعلان الحب: “أنا حبيتك.. حبيتك أنا.. بالصيف، بالشتي، صباح ومسا..”.
وإذا ما عادت النجمات الفضوليات بالسؤال عن سر هذه القوة العجيبة، يصدح الصوت التركوازي: “أنا في قلب الله.. أنا في قلب الله”..
نعم هو ذا الخالق الذي أرسلها في الأزمان الصعبة رأفة بحال البشر، بلسماً للأرواح، وتوّجها مليكة على القلوب، ويأتي الصوت من بعيد: “أنا اللـ بيسموني الملكة.. وجبيني ولا مرة حني”، ولكن أمامها ينحني الكبار والمتكبّرون، بمن فيهم باحثون عن مجد يتكبّر عليهم ويتمنّع، فنراهم يسعون إليها، آملين أن يحنو عليهم بشفاعة عنفوان ابتسامتها الباهرة.
هي لا تحب الكلام.. “لشو الحكي؟”، صمتها أبلغ آلاف المرات، وطالما أنها غنت وغنت سيظل هذا الصوت يهدهد الأسماع مهما تضاعف عدد السنوات في حساب الزمن.
القمر لا يشيخ، وجارته أيضاً.. الزمن يصبح “لا زمناً” في حضرتها، وصوتها صار جزءاً من حمضنا النووي الشآميّ!!
صبية الجسر، والبنت البياعة، وعطر الليل، ريما وغربة ووردة، هيفا ولولو وقرنفل، عليا وزيون وزاد الخير، هالة وشاكيلا وزنوبيا..
باختصار: نهاد، أم زياد، وريما وليال وهلي، ساكنة القلوب الأبدية، جارة القمر.. كل عام وأنت فيروز.. فيروزتنا!!