الحكومة الإسرائيلية تغيرت.. لكن أشياء كثيرة ستبقى كما هي!!
“البعث الأسبوعية” ــ تقارير
مجرد تغيير بيروقراطي وليس أكثر من ذلك، فقد تم استبدال رئيس الوزراء “المتشدد” بنيامين نتنياهو بـ “القومي” المتطرف نفتالي بينيت. دعا بينيت على فترات متقطعة إلى حرمان “المواطنين” الإسرائيليين غير اليهود من حق التصويت، ولم يخف ميوله إلى ممارسة التطهير العرقي ضد كل من هم غير يهود في فلسطين التاريخية، لا بل وقتلهم إذا لزم الأمر. إنه يعارض إنشاء أي دولة فلسطينية، ويصف المحتجين الفلسطينيين بشكل روتيني بأنهم إرهابيون، ويصرح علناً بضرورة إطلاق النار عليهم فور رؤيتهم. كما عبر عن زهوّه بإطلاق النار على الفلسطينيين أثناء خدمته العسكرية، قائلاً في وقت من الأوقات: “لقد قتلت بالفعل الكثير من العرب في حياتي، ولا مشكلة على الإطلاق في ذلك”. شارك بشكل كبير في “عملية عناقيد الغضب” (حرب تموز 2006) في لبنان في الثمانينيات، حيث قتلت وحدته الكوماندوز العديد من المدنيين، ويسعده سرد مشاركته في جرائم الحرب الإسرائيلية.
كل هذا يعني أنه لن تكون هناك أدنى راحة من إرهاب حكومة نتنياهو، كما كان الحال دائماً في الضفة الغربية وغزة، وكذلك في القدس نفسها. وإذا كان هناك من جديد، فهو أن الضغط على العرب سوف يشتد لإجبارهم على المغادرة. والدليل على ذلك أن وحدات الشرطة والجيش الإسرائيلي اعتقلت مئات العرب، وكثير منهم “مواطنون” إسرائيليون، ليس لأنهم انتهكوا أياً من “القواعد” التي فرضتها حكومة نتنياهو، بل كإجراء وقائي لتحديد هويتهم، والسماح بالتعرف عليهم. مغلق بأمان بعيداً، عند بدء الجولة التالية من القتال. تم الإبلاغ عن 1800 عملية اعتقال منذ بدء “الهبّة” في نيسان، لكن الرقم ربما يكون أعلى من ذلك بكثير. ويقدر أن 25٪ من المعتقلين هم من الأطفال و85٪ من أولئك الأطفال الذين تم اعتقالهم أفادوا أنهم تعرضوا للإيذاء الجسدي. كما استشهد ما لا يقل عن 26 فلسطينياً خلال عمليات المقاومة. وتردّد أن الشرطة، التي أحرجت من تعرضها للسخرية من احتجاج الفلسطينيين، تقوم بـ “تصفية الحسابات” و”إغلاق الحسابات”، وكثيراً ما تستخدم الضرب الوحشي أثناء الاعتقالات، أو كعقاب جماعي، لكسر المقاومة العربية.
كما “نشطت” الشرطة الإسرائيلية في المسجد الأقصى وحوله، حيث منعت المصلين من الوصول إلى الحرم القدسي، في وقت كانت تروج لزيارات المتطرفين اليهود لـ “مشاهدة معالم المدينة”، في انتهاك سافر للقواعد الموضوعة للوصول إلى المسجد، وفي رسالة قوية للفلسطينيين بأن هناك المزيد في المستقبل، وأن النية بوضوح تتمثل في إزالتهم في نهاية المطاف، وبأية وسيلة ضرورية، من “إسرائيل الكبرى”.
وقد لاحظ مدير “المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل” (عدالة)، حسن جبارين، مؤخراً، كيف تم التحريض على العنف على مدار شهر أيار الماضي، وبشكل متعمد، من قبل الحكومة الإسرائيلية لدعم الأفق الانتخابي لنتنياهو، وسط “حملة الاعتقالات الواسعة التي أعلنتها الشرطة الإسرائيلية.. حرب مجيشة ضد الفلسطينيين في إسرائيل.. حرب ضد المتظاهرين الفلسطينيين والنشطاء السياسيين والقصّر، حيث يتم توظيف قوات شرطة إسرائيلية كثيفة لمداهمة منازل الفلسطينيين”.
الإسرائيليون، الذين لديهم حس فكاهي واضح، أطلقوا على المرحلة الأولى من الاعتقالات الجماعية “قانون العمليات والنظام”. ونُفذت المداهمات نفسها داخل إسرائيل وفي الضفة الغربية. و”يتمتع” الفلسطينيون في إسرائيل بما يوصف مراراً بأنه “حقوق من الدرجة الثانية” في النظام القضائي. وعلى الرغم من أن إسرائيل تدعي أن “مواطنيها العرب” – ما يقرب من 20٪ من سكان البلاد – يتمتعون بالمساواة بموجب القانون، إلا أن وزارة الخارجية الأمريكية – المعروفة بولائها المطلق لإسرائيل – اتهمت إسرائيل مراراً وتكراراً بممارسة “تمييز مؤسسي ومجتمعي” تجاه “مواطنيها” العرب، أي عرب الأراضي التي احتلت عام 48.
وعلى هذا الأساس، يتم توجيه الاتهامات إلى الفلسطينيين الذين يتم اعتقالهم، وفي بعض الحالات يتم احتجازهم إلى أجل غير مسمى، بموجب ما يعرف بـ “قانون الطوارئط و”قانون مكافحة الإرهاب”. والتهمة الشائعة هي “التحريض” الذي يتطلب القليل من الأدلة، أو لا يتطلب أي شيء. وفي الواقع، تم إطلاق سراح العديد من الفلسطينيين المعتقلين بعد دفع كفالات باهظة، بلغ متوسطها حوالي 1000 دولار؛ وبحسب ما ورد دفع ناشط فلسطيني 7400 دولار للإفراج عنه.
وتجدر الإشارة إلى أن المستوطنين المسلحين الذين قاموا بـ “أعمال شغب” في الفترة التي سبقت العدوان على غزة، في الشهر الماضي، وحاولوا طرد أهالي حي الشيخ جراح في القدس من منازلهم، ودمروا منازل الفلسطينيين وممتلكات أخرى، لم يتم التعرف عليهم واحتجازهم من قبل السلطات الإسرائيلية. ويلاحظ الناشط ريمي كنازي كيف أن “الفصل العنصري داخل إسرائيل هو عندما يهتف الغوغاء الإسرائيليون اليهود “الموت للعرب”، ويعاملون الفلسطينيين بوحشية في أحيائهم، بينما رجال الشرطة لا يفعلون شيئاً.. هؤلاء هم رجال شرطة فقط لإجراء الاعتقالات الجماعية ضد الفلسطينيين.
بعد أسبوعين
خارج إسرائيل، الفلسطينيون الآخرون، من مواطني السلطة الفلسطينية، أو الذين لديهم وثائق من الأمم المتحدة، ليس لديهم حقوق على الإطلاق بموجب القانون الإسرائيلي، ويتم احتجازهم حسب الرغبة، وفي كثير من الحالات، إلى أجل غير مسمى، دون أي إمكانية للوصول إلى مستشار قانوني أو لأفراد الأسرة. معظمهم لم يفعل أي شيء غير قانوني، حتى بالمعايير الإسرائيلية، عندما تم اعتقاله.. كانوا مذنبين فقط لكونهم فلسطينيين.
في أحد الأمثلة على كيفية سير العملية، تم استهداف الناشط الفلسطيني المعروف إياد برنات، والذي سبق اعتقاله في سن 17، وسجن مدة عامين لقيامه بإلقاء الحجارة على جنود إسرائيليين. وهو يعيش في بلعين بالضفة الغربية، وقد اختطف ولداه من منزلهما في الاجتياحات الليلية الأخيرة من قبل قوات الأمن الإسرائيلية. وهناك عبد الخالق، 21 عاماً، الذي اقتيد في 17 أيار، ومحمد 19 عاماً، اختطف في 24 أيار. وهم محتجزون في مركز اعتقال المسكبية في القدس المحتلة، وحُرموا من أي اتصال مع والديهم أو محاميهم؛ ولم تقدم السلطات الإسرائيلية أي تفسير لسبب اعتقالهم.
في مثال آخر حديث على وحشية الشرطة الإسرائيلية، تم اختطاف محمد السعدي، البالغ من العمر ثلاثة عشر عاماً، وعُصبت عيناه وضُرب وهُدد بمسدس على رأسه من قبل خمسة رجال شرطة يعملون متخفيين في مسقط رأسه، أم الفحم. كان السعدي من بين الآلاف الذين تجمعوا في جنازة أقيمت لمحمد كيوان، الصبي البالغ من العمر 17 عاماً والذي كان قُتل برصاص الشرطة الإسرائيلية قبل أسبوع.
يلاحظ النشطاء الفلسطينيون أن القمع الإسرائيلي قد جاء بنتائج عكسية. ويدرك معظم الفلسطينيين الآن أن الإسرائيليين يعتزمون إبادتهم. ويلاحظ أحد المراقبين السياسيين أن “حاجز الخوف قد تم كسره.. القوات الاسرائيلية في مواجهة شعب لم يعد لديه ما يخسره.. ولا يرى شباب القدس أن لديهم مستقبلاً يتطلعون إليه، بسبب عوامل اجتماعية واقتصادية ناتجة عن سياسات الاحتلال تجاههم، أو هي تفاقمت بفعلها. هؤلاء الناس يدافعون عن حقهم في الوجود وعن منازلهم ووطنهم، ولولا مقاومتهم لكان المستوطنون اليهود قد سيطروا على العديد من الأماكن في القدس”.
إدارة بايدن
من الواضح أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لن تفعل شيئاً حتى لو اعتقلت الحكومة الإسرائيلية وعذبت مئات آلاف العرب في إسرائيل، لكن هناك شعوراً متزايداً، حتى في الكونغرس ووسائل الإعلام المتصهينة التي تسيطر عليها اللوبيات الإسرائيلية في واشنطن، بأن “الخطأ هو خطأ”. فقد قدمت عضوة الكونغرس بيتي ماكولوم، مرتين، مشروع قانون – ما زال يعاني من مشاكل في لجنة الكونغرس – يدعو الولايات المتحدة إلى حظر المساعدات، التي يمكن أن يُنظر إليها على أنها تُستخدم لاعتقال وضرب وسجن الأطفال، عن إسرائيل. ويعدل “قانون تعزيز حقوق الإنسان للأطفال الفلسطينيين الذين يعيشون في ظل الاحتلال العسكري الإسرائيلي” أحد أحكام قانون المساعدة الخارجية المعروف باسم “قانون ليهي” لحظر تمويل الاحتجاز العسكري للأطفال في أي دولة، بما في ذلك إسرائيل.
تجادل ماكولوم بأن ما يقدر بـ 10 آلاف طفل فلسطيني تم اعتقالهم من قبل قوات الأمن الإسرائيلية ومحاكمتهم في نظام المحاكم العسكرية الإسرائيلية، منذ العام 2000. وهؤلاء الأطفال، الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و15 عاماً، قد تعرضوا في بعض الأحيان للتعذيب باستخدام الخنق والضرب والاستجواب القسري. واعتباراً من أيلول 2020، كان هناك ما يقدر بنحو 157 طفلاً لا يزالون محتجزين في السجون الإسرائيلية، وهو رقم ارتفع بالتأكيد بشكل كبير في ضوء الحملة الحالية التي تشنها الشرطة والجيش الإسرائيليين ضد الفلسطينيين. وعلى الرغم من أن رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، ستمنع بالتأكيد أي محاولة للسماح لمشروع “قانون ماكولوم” بأن يرى النور، إلا إنه يمكن الأمل على الأقل بأن الإدارة الديموقراطية في البيت الأبيض، التي تتشدق بحقوق الإنسان كأساس لسياساتها الخارجية، أن تقرن القول بالفعل، وتساعد على تحقيق شيء من الحرية والعدالة للفلسطينيين الذين طالت معاناتهم.