مجلة البعث الأسبوعية

أيقونة الشام والزمن الجميل

“البعث الأسبوعية” ــ سلوى عباس

في احتفالها بعيدها الـ 14، كرمت إذاعة “شام أف إم” الإعلامية هيام حموي، وحاورتها حول تجربتها الإعلامية التي قادتها إليها المصادفة، ولم تكن في حسابها، إذ قالت هيام: “أشعر أن القدر كان يهيئني لأن أكون مذيعة في الوقت الذي لم أفكر أبداً بذلك، لم تكن الإذاعة الخط الأساسي في حساباتي، كنت أدرس الأدب الفرنسي حتى أعمل في التدريس، أو في المجال الدبلوماسي”.

الآن، وبعد مسيرة تجاوزت النصف قرن، ما زالت هيام تتعامل مع الإذاعة بشغف وحب، مفعمة بالحيوية والنشاط، والقدرة على التجدّد وابتكار برامج تحمل أفكاراً ممتعة ومفيدة بآن معاً، فمن وجهة نظرها أن ما سينقذ الإذاعة أكثر من أي شيء هو أن يقرر من يشتغلون فيها أنها فن قائم بذاته، وليست وسيلة “حكي”، لذلك تأتي إلى الإذاعة كل يوم وفي جعبتها جدول أعمال للبرامج التي ستبثها، فتبدو بانشغالها وكأنها اليوم قد بدأت مشوارها، فالمهنية – كما تراها – لا تُجزأ وقواعد العمل الإعلامي ثابتة، وهذا ما أكدته بقولها: “ما أحبه في حياتي أني دائماً لدي استعداد للبدايات الجديدة”.

عملت هيام حموي في الإذاعة عندما كانت الوسيلة الأهم للتواصل الإنساني، وقد أدركت منذ اللحظة الأولى أن رسالة الإعلامي الأولى هي الوصول إلى المواطن في كل مكان، ومشاركته همومه، ومحاولة مساعدته لحل مشكلاته، فالإذاعة – كما تراها – تمثل فناً حقيقياً ومهماً يشكل الصوت فيه عاملاً مؤثراً على المستمع، وهي ببراعتها في فن الحوار البسيط والمعمّق كانت تصل إلى قلوبنا وتدغدغ أحلامنا، فمن من جيلنا لا يذكر برامجها التي كانت ترتب مواعيدنا للاستماع إليها، والاستمتاع بدفء صوتها في مرحلة من العمر كانت تحفّز فينا إرادة الحياة.

هيام حموي أيقونة الشام والزمن الجميل، إنسانة تبحث عن الحب والجمال، وتسعى إلى ترسيخ هذه القيم في كل عمل تحضّر لإنجازه، حتى أنها غالباً ما تسمع ممن حولها كلاماً أنها تجمّل ضيوفها، لكنها في الحقيقة لا تجملّهم، بل تفسح لهم المجال ليتحدثوا بعفوية، ويظهرون الجانب الإنساني الجميل لديهم، وهي بذلك تكون قد وفرت، لهذا الضيف أو ذاك، الظرف ليكون على طبيعته، لذلك تعرّف عن نفسها بأنها “روح هائمة منذ ألف عام تبحث عن الحب والخير والجمال، ولهذا السبب قد يكون أهلي بحدسهم أسموني هيام”.

ورغم مساحات القبح والبشاعة المحيطة بنا، إلاّ أن هيام ترى الجمال موجوداً بكثرة قياساً بحيز القبح الكبير، وتعتبر كل لحظة حب يمكن أن يعيشها الإنسان، سواء أحب وردة، أو صورة، أو إنساناً، أي أنه يجب أن يشتغل محرك الحب دائماً حتى تبقى الأفكار الجميلة هي التي تحضر. تقول: “أشعر أن كل لحظة حب يعيشها الإنسان، تخفف قليلاً من سحب القبح المحيطة بنا، لذلك يجب أن نحب كثيراً”، وهذه الحالة الإنسانية التي تعيشها ساهمت إلى حد كبير في إغناء تجربتها الحياتية والمهنية، وكل الذين يعرفونها عن قرب يجدون أنها تشبه عملها كثيراً، ففي كل برنامج وكل فقرة تقدمها، تظهر هذه الرغبة في البحث عن الأفضل.

لقد سجلت هيام عبر تجربتها أنموذجاً يُحتذى في ثقافة الإتقان والإخلاص لعملها، ولذاتها، وبالتالي هي ليست الوحيدة، فمن جيلها تحضر الكثير من التجارب التي كانت لها بصمتها الإبداعية، وبالمقارنة بين الكثير من إعلاميينا الآن، وإعلاميي الأجيال التي سبقتنا، نرى أننا نحتاج أن نكون أكثر إتقاناً وإخلاصاً لعملنا، وأن نضع نجاح الآخرين نصب أعيننا، ليكونوا بوصلتنا في حياتنا، وعلى الإنسان أن يتقن المهنة التي يختارها ويخلص لها ويعطيها ما تستحق لتعطيه هي، بالمقابل، ما يرغب ويطمح للوصول إليه.

في ختام الحوار، قدمت هيام بنصيحة للمستمعين قائلة: “سأبقى لآخر لحظة بحياتي أنادي بأنه لا شيء يستحق أن نزعل من الذين نحبهم، فربما يرحلون بسرعة قبل أن نقول لهم كم نحبهم، لذلك تمسكوا بأحبتكم جيداً، وعبّروا لهم عن حبكم، فقد ترحلون أو يرحلون يوماً، ولهم في قلبكم مشاعر وأشواق، لأن الحياة قصيرة جداً، وغداً قد نكون جميعنا ذكرى.. الموت لا يستأذن أحداً، فابتسموا وسامحوا من أساء إليكم”.