مجلة البعث الأسبوعية

سبعون عاماً على مكتبة “دار اللواء”.. ملتقى الطبقة المثقفة

“البعث الأسبوعية” ــ كارولين خوكز

كانت مدينة القامشلي منبعاً للفكر والثقافة، ولا تزال موطن العشرات من رجال الثقافة والفكر، وحظيت منذ نشأتها ببروز نخبة من المثقفين والمتنورين، وبرز أسماء العشرات من أبنائها كشعراء وكتاب وروائيين وإعلاميين؛ وفي قلب مدينة القامشلي افتتحت أول مكتبة منذ أكثر من سبعين عاماً هي مكتبة “دار اللواء”، لصاحبها الباحث والسياسي والمناضل أنيس حنا مديواية (مواليد 1926- مدينة اسكندرونة)، وحاصل على الشهادة الابتدائية العربية والفرنسية، ويعتبر أول مدرس للفرنسية في مدينة القامشلي.

لم تكن عائلتنا بعيدة عن الثقافة والعلم – يقول مديواية – ونزحت من لواء اسكندرون عام ١٩٣٦ إلى حلب، ومنها إلى مدينة القامشلي. وفي العام ١٩٤٦، وبتوجيه من والدي، افتتحت المكتبة باسم مكتبة “دار اللواء”، وأسميتها بهذا الاسم إشارة إلى لواء اسكندرونة، المدينة التي نزحنا منها بعد الاحتلال التركي.

ولأنني رأيت في المكتبة المنطلق الحضاري والعلمي للنهوض بالمجتمع ثقافياً وعلمياً وقومياً، أضحت هذه المكتبة منبعا ينهل منها جميع المثقفين، على اعتبار أن المركز الثقافي لم يكن موجوداً في مدينة القامشلي، ولأن المكتبة تشتمل على مصادر شتى من العلوم والثقافة والأدب، ووسائل مختلفة بين مجلة وصحيفة وكتاب، ومن جهة أخرى ستؤمن ما يحتاجه أبناء المنطقة من قرطاسية وغيرها من أدوات ولوازم مدرسية.

.. كانت البداية بالتواصل مع المكتبات الكبيرة في كل من دمشق وحلب، ومع إدارة الصحف والمجلات ودور النشر التي كانت موجودة في المدن الكبيرة في سورية، وفي لبنان أيضاً لتأمين الجرائد والمجلات والكتب والمطبوعات المختلفة.

في مراحل لاحقة – يتابع مديواية – أصبحت المكتبة تؤمن كتب تعليم باللغتين الانكليزية والفرنسية للمنهاج المدرسي، وبذلك ساهمت في النهوض بالتعليم وتأمين المستلزمات كافة، عن طريق التواصل مع دور النشر اللبنانية التي كانت تصدر فيها عشرات الصحف والمجلات، فكان للمكتبة دور رائد في التواصل والمعرفة والثقافة ورفع السوية الثقافية في مدينة القامشلي.

 

وماذا عن تطوير المكتبة وتوسيع عملها؟

تمكنت من تلبية العديد من حاجات المواطن في المنطقة من قرطاسية وغيرها، وكذلك ألوف العناوين من الكتب، وكذلك العشرات من الصحف والمجلات.. وهكذا أصبحت المكتبة وجهة العشرات من محبي وطلاب الثقافة، وأصبحت مركزاً تلتقي فيه الطبقة المثقفة، فكانت بمثابة المركز الثقافي في القامشلي؛ ومن ثم كان الانتقال إلى الطباعة والنشر، وقد شجعني بعض المثقفين كي أفتح داراً للنشر، فطبعت أكثر من عشرين كتاباً، لمؤلفين أمثال: الأستاذ نديم مرعشلي، الكاتب جان ألكسان، الشاعر علي الزئبق، المسرحي سليم حانا، المطران جورج صليبا، القاص محمد نديم.. وغيرهم؛ وجميع هذه الكتب طبعت بين عامي 1947 و1958، وكانت هناك مساهمة ومساعدة من مكتبة الرافدين بنشرها؛ وفي بعض الأحيان كان العديد منها يطبع على نفقة المطبعة، ثم كانت الخطوات اللاحقة افتتاح فروع للمكتبة في أغلب مدن وبلدات الجزيرة.

يعتبر مديواية أن الثقافة الوطنية الراهنة غير منفتحة على الحضارة السورية العريقة التي انطلقت من هذه البلاد، حيث كانت أبجدية أوغاريت “رأس شمرا” على الساحل السوري أول أبجدية في العالم، وكذلك على الحضارات الفينيقية والأشورية والكلدانية والسومرية، والتي لم تأخذ حقها في المطبوعات إلا مؤخراً، ما سبّب ضعف الشعور الوطني لدى البعض.

بالرغم من تجاوزه التسعين من العمر، إلا ان مديواية لا يزال يتواصل مع الكتاب بشكل يومي، ومكتبته تضم أكثر من 3000 كتاب من أندر الكتب، وأغلبها يعود لأكثر من مئة عام؛ ويضيف: اليوم، للأسف، دور تقلص الكتاب، وكذلك قراؤه مع وجود التلفزيون والإنترنت وسرعة الاتصالات.

ويشير مديواية إلى أنه اليوم، ونتيجة استمرار الحرب على سورية وبُعد مدينة القامشلي عن المركز، دمشق، تقلص وتراجع عدد القراء لعدم وصول المطبوعات الرسمية وغير الرسمية إلى المنطقة؛ وباعتباره الموزع الرئيسي للصحف والمجلات، يأمل من المؤسسة العربية السورية عودة إيصال المطبوعات والصحف التي لا تزال تصدر إلى محافظة الحسكة.