مجلة البعث الأسبوعية

“أوميكرون”.. ما الذي نعرفه عن السلالة الجديدة شديدة التحور من فيروس كورونا؟

يزداد القلق مجدداً حول العالم بعد رصد متحوّر جديد من فيروس كورونا في جنوب أفريقيا،

وها نحن نعود إلى منطقة مألوفة، حيث تعد النسخة الجديدة، “أوميكرون”، النوع الأكثر تحورا الذي اكتُشف حتى الآن، ولديه قائمة طويلة من الطفرات التي وصفها أحد العلماء بأنها “مروعة”، ووصفها آخر بأنها الأسوأ حتى الآن، فيما تتأهّب دول عدة لجولة جديدة من تدابير الوقاية الصارمة، خصوصاً أن المعلومات شحيحة حتى الآن عن طبيعة المتحور الجديد.

ورغم أن المتحور الجديد لا يزال في أيامه الأولى، ولا يزال الوقت مبكرا لاستخلاص استنتاجات واضحة، إلا أن هناك بالفعل علامات تثير القلق. فقد كانت هناك 77 حالة إصابة مؤكدة تماما في مقاطعة غوتنغ بجنوب أفريقيا، وأربع حالات في بوتسوانا وحالة واحدة في هونغ كونغ (التي ترتبط ارتباطا مباشرا بالسفر من جنوب أفريقيا)، كما اكتشفت حالات بين مسافرين إلى بلجيكا وإسرائيل وهونغ كونغ.

وثمة أسئلة عاجلة حول مدى سرعة انتشار المتحور الجديد، وقدرته على تجاوز بعض الحماية التي توفرها اللقاحات، وما الذي يجب فعله حيال ذلك. وهناك الكثير من التكهنات، ولكن القليل من الإجابات الواضحة.

في المقابل يهتم العلماء بشكل كبير بالمتحور الجديد لاحتوائه على عدد غير مسبوق من الطفرات تقدر بحوالي 50، بما في ذلك أكثر من 30 طفرة مرتبطة بالبروتين الشوكي، وهو البنية التي يستخدمها الفيروس لربط الخلايا البشرية والهدف الرئيسي للعديد من اللقاحات الحالية.

ويتضمن أوميكرون بعض الطفرات التي لم تكتشف من قبل، وهناك حالات تجعل الفيروس ينتشر بشكل أسرع أو تحسن قدرته على التهرّب من نظام المناعة أو اللقاحات في الجسم.

 

ما الذي نعرفه؟

اكتشف المتحور الجديد بعدما جاءت، في 9 تشرين الثاني الجاري، ولأول مرة، عينة من شخص مصاب في بوتسوانا. وبعد ذلك بوقت قصير، اكتشف العلماء في هونغ كونغ متحوراً في مسافر وصل من جنوب أفريقيا، بالتوازي مع بدء ظهور أوميكرون في عينات من مقاطعة غوتنغ.

ولا يوجد ما يشير إلى أن المرضى المصابين بالمتحور عانوا من أعراض مختلفة عن أولئك المصابين بسلالات أخرى، كما لا توجد علامات حتى الآن على أن أوميكرون أدى إلى مرض أكثر خطورة.

وعندما تم التعرف على المتحور الجديد، أطلق عليه اسم “1.1.529. ب”، وأعطته منظمة الصحة العالمية الاسم الرمزي اليوناني “أوميكرون” (مثل متحورات ألفا ودلتا).

وقال البروفيسور توليو دي أوليفيرا، مدير مركز الاستجابة الوبائية والابتكار في جنوب أفريقيا، إن هناك “مجموعة غير عادية من الطفرات” وأنها “مختلفة تماما” عن المتحورات الأخرى التي انتشرت. وقال: “لقد فاجأنا هذا المتحور، فقد حقق قفزة كبيرة في التطور [و] طفرات أكثر بكثير من التي توقعناها”.

وتابع دي أوليفيرا إن هناك 50 طفرة إجمالية وأكثر من 30 على البروتين الشوكي الذي يحيط بالفيروس، وهو هدف معظم اللقاحات والمفتاح الذي يستخدمه الفيروس لفتح مدخل له إلى خلايا الجسم. وبالتكبير إلى أبعد من مجال ربط المستقبلات (الجزء من الفيروس الذي يقوم بالاتصال الأول بخلايا أجسامنا) فإنه يحتوي على 10 طفرات مقارنة بطفرتين فقط لمتحور دلتا الذي اجتاح العالم.

ومن المحتمل أن يكون هذا المستوى من الطفرات ناتجا عن مريض واحد لم يكن قادرا على التغلب على الفيروس. ولكن حدوث الكثير من الطفرات لا يعني بالضرورة أمرا سيئا. فمن المهم هنا معرفة ما تفعله هذه الطفرات بالفعل.

 

“أوميكرون”.. “إيبولا” والمتحور”دلتا”

والخوف الأكبر من المتحور الجديد أن يصبح سلالة يمكن أن تهدد البشرية بنفس القدر مثل فيروس إيبولا”.

إلا أن فرانك أولريش مونتغومري، رئيس الجمعية الطبية العالمية، أكد أنه “لا توجد بيانات دقيقة عن المخاطر التي تحملها طفرة الأوميكرون، ولكن من الواضح أنها تنتشر بسرعة كبيرة”. ووفقا له، في بداية وباء كوفيد19، قلل العالم من حجمه، و”اعتقدت أنا أيضا في ذلك الوقت أنه كان نوعا من الأنفلونزا. ثم قررنا أنه يمكننا تحقيق مناعة القطيع، ولكن بعد ذلك كان هناك سلالة دلتا المعدية للغاية”.

ولم يستبعد مونتغومري احتمال أن يتم إجراء التطعيم الداعم ضد كوفيد سنويا.

 

التهرب من الحماية المناعية

لكن هذا كله لا يخبرنا ما إذا كان المتحور الجديد ينتشر أسرع من متحور دلتا أم أنه أشد خطورة أو إلى أي مدى يمكنه التهرب من الحماية المناعية التي تأتي من التطعيم.

كما أنه لا يخبرنا إلى أي مدى سينتشر المتغير في البلدان التي لديها معدلات تطعيم أعلى بكثير من الـ 24٪ في جنوب إفريقيا الذين تلقوا التلقيح بالكامل، على الرغم من أن أعدادا كبيرة من الناس في البلاد قد أصيبوا بفيروس كورونا.

ولذلك لدينا في الوقت الحالي متغير يثير مخاوف كبيرة على الرغم من الثغرات الكبيرة في معرفتنا عنه، وهو أمر يحتاج إلى المراقبة عن كثب ويطرح أسئلة عميقة حول ما يجب القيام به ومتى. الدرس المستفاد من الوباء هو أنه لا يمكنك الانتظار دائما حتى تحصل على جميع الإجابات.

 

ماذا قالت منظمة الصحة؟

وكشفت منظمة الصحة العالمية أن هناك أدلة أولية على أن المتحور الجديد قد يعرض من أصيبوا سابقاً بالمرض للإصابة مرة ثانية، وقد يكون أكثر قابلية للانتقال من سلالات أخرى من فيروس كورونا، مستشهدةً بانتشار أوميكرون السريع في جنوب إفريقيا خلال الأيام الماضية.

وقد تم تصنيف السلالة على أنها “متحور مثير للقلق”، لتنبيه السلطات الصحية في جميع أنحاء العالم رسمياً إلى المخاطر الإضافية التي يبدو أنه يحملها.

ولتصنيفه هكذا، يجب إثبات أن السلالة الفيروسية الجديدة أكثر عدوى، أو تؤدي إلى مرض أكثر خطورة أو تقلل من فعالية تدابير الصحة العامة أو اختبارات كورونا أو العلاجات أو اللقاحات.

وتشمل المتحورات الأخرى المثيرة للقلق كلاً من دلتا، الذي يسود الآن في جميع أنحاء العالم، وألفا، الذي أدى إلى موجة قاتلة من العدوى في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة في الشتاء والربيع الماضيين.

 

حالة استنفار

وقد بدأت شركة نوفافاكس للأدوية العمل على تطوير لقاحها كي يناسب متحور “أوميكرون”، على أمل أن يكون اللقاح الجديد جاهزا للاختبار والتصنيع في غضون أسابيع.

كما أعربت شركات أخرى مطورة للقاحات مضادة لفيروس كورونا عن تفاؤلها المشوب بالحذر حيال قدرها على التصدي لأي تحديات محتملة تنتج عن المتحور الجديد.

وقالت شركة بيونتيك إنها تستطيع إنتاج وشحن نسخة محدثة من لقاحها المضادة للوباء خلال مئة يوم، حال اكتشاف أن النسخة الجديدة من الفيروس يمكنها التغلب على المناعة التي يحدثها لقاحها الحالي.

وتجري شركة أسترازينيكا دراسات في بوتسوانا وإسواتيني، حيث ظهر المتحور الجديد أيضا، وذلك لجمع البيانات من أرض الواقع حول مدى فاعلية لقاحها في الحماية منه.

كما أعلنت شركة موديرنا أنها سوف تطور جرعة معززة من لقاحها لمقاومة المتحور الجديد،

وأضافت أنها ستختبر أيضاً ما إذا كان الدم المأخوذ من المشاركين في التجارب السريرية للحصول على معززات قيد التطوير لمتغيرين آخرين يشتركان في بعض الطفرات مع أوميكرون، وفيما إذا بإمكانهما يوفران الحماية ضد السلالة الجديدة.

 

هل تحمينا اللقاحات؟ 

ونظراً لعدم وجود العديد من الحالات المعروفة للمتحور الجديد، فهناك القليل من البيانات حول كيفية تصرفه. فقد ثبت أن بعض الطفرات التي تم تحديدها في المتحور تجعل من لقاحات كورونا أقل فعالية، فيما قال العديد من صانعي اللقاحات إنهم ما زالوا يدرسون كيف سيؤثر المتحور على فعالية لقاحاتهم.

يكمن القلق في أن هذا الفيروس أصبح الآن مختلفا جذريا عن الأصلي الذي ظهر في ووهان، في الصين. وهذا يعني أن اللقاحات، التي صممت باستخدام السلالة الأصلية، قد لا تكون فعالة.

وقد شوهدت بعض الطفرات في متحورات أخرى، ما يعطي فكرة عن دورها المحتمل في تطور هذا المتحور.

وقال البروفيسور ريتشارد ليسيلز، من جامعة كوازولو ناتال في جنوب أفريقيا: “إنهم يخيفوننا من أن هذا الفيروس قد يكون قد عزز قابلية الانتقال، وعزز القدرة على الانتشار من شخص لآخر، ولكنه قد يكون قادرا أيضا على الالتفاف على أجزاء من جهاز المناعة”.

غير أن هناك أمثلة عديدة على متحورات بدت مخيفة على الورق، لكنها لم تحقق شيئا. وقد كان متحور بيتا على رأس الاهتمامات بداية العام الحالي، لأنه كان الأفضل في الهروب من جهاز المناعة؛ لكن في النهاية كان متحور دلتا الأسرع انتشارا وهيمنت السلالة الناجمة عنه على العالم.

وقال البروفيسور رافي غوبتا من جامعة كامبريدج: “سلالة متحور بيتا كانت تركزت على القدرة في الهرب من مقاومة الجهاز المناعي ولا شيء آخر، أما دلتا فلديها القدرة على العدوى وهروب مناعي متواضع، ومن المحتمل أن لهذا المتحور الجديد هاتين السمتين”.

 

وثمة تساؤلات عدة بشأن مدى فعالية اللقاحات التي حصل عليها الملايين حول العالم في مواجهة المتحور الجديد.

وعلى عكس معظم المتحورات البارزة الأخرى، والتي لا يمكن اكتشافها إلا من خلال تسلسل الجينوم المكلف والمستهلك للوقت، يتم تمييز وجود أوميكرون في بعض اختبارات تفاعل البوليميراز المتسلسل الشائعة الاستخدام، أو اختبارات PCR، وهو ما يجعل من السهل تتبعه وجعل علماء جنوب أفريقيا قادرين على التقاط انتشاره السريع في البلاد بهذه السرعة.

وليس غريبا أن يتغير الفيروس أو يتحور بمرور الوقت، وتكون السلالة الجديدة من أي فيروس مثيرة للقلق عندما تؤثر تلك الطفرات على أشياء مثل سرعة الانتشار، ومعدل الخطورة، والقدرة على مقاومة اللقاحات.

وستعطي الدراسات العلمية في المختبر صورة أوضح، لكن الإجابات ستأتي أسرع من خلال مراقبة الفيروس في العالم الحقيقي.