في نهاية عام تجرعنا فيه المر والخيبات.. كرتنا تحبط آمال عشاقها وتبحث عن طوق نجاة من أمراضها المزمنة
البعث الأسبوعية -ناصر النجار
مع نهاية عام 2021 ماتزال كرتنا في أسوأ حال من الفوضى والفشل في كل شيء، حيث اتفق المراقبون على أن هذا العام هو الأسوأ تاريخياً منذ تأسيس كرة القدم السورية حيث تجرعنا الخيبات بالمنتخبات الأربعة التي شاركنا فيها في الاستحقاقات الرسمية، ولم نحقق أي وجود فعلي أو شرفي في أي من البطولات التي خاضتها هذه المنتخبات.
وأكثر اهتمام انصب في اتحاد كرة القدم المستقيل كان على السفر والسياحة وتحقيق المنافع الشخصية جراء ذلك، وكانت المنتخبات صورة فقط لتمرير هذه المصالح، وجاءت اللجنة المؤقتة كبديل مؤقت فسارت على النهج ذاته دون أن تسعى لتغيير نهج الفساد وكأن كرتنا كعكة يريد اقتسامها كل الذين يتولون قيادتها، ورغم أن الأمور كانت مكشوفة بعض الشيء من خلال بعض التصرفات والعديد من المنافع التي لمسها البعيد قبل القريب إلا أنها تعرت تماماً في الآونة الأخيرة عندما اختلفت اللجنة المؤقتة فيما بينها على كراسي المنتخب الوطني.
وربما التفاصيل الصغيرة في هذه القضية لم تعد مهمة لكنها تكشف عن تغول الفساد الذي بسط اذرعته في كل المفاصل فقضى على كل بارقة أمل تعيد كرتنا إلى الطريق الصحيح.
وعلى ما يبدو أن هذا قدر كرتنا وقدر عشاقها أن ينتظروا طويلاً حتى يأتي من يهتم بكرة القدم بصدق وإخلاص ومن يكون همه كرة الوطن فقط لاغير، ومن يسعى للنهوض بها من جديد بعد أن وصلت إلى الدرك الأسفل من الفوضى وسوء الإدارة والتخطيط، وغياب هذه المعطيات أفقدت كرتنا البريق والنهضة والتفوق والأداء الجيد والمستوى المنافس المميز.
ونأسف تماماً للحال الذي وصلت إليه منتخباتنا ونحن نرى بقية المنتخبات العربية قد حلقت في سماء البطولات المختلفة وقدمت أداء أخاذاً يسلب الألباب والعقول ونتساءل: ماذا ينقصنا لكي نهزم اليمن بالناشئين ولبنان بالشباب والأردن بالأولمبي وموريتانيا بالرجال؟.
أليس من المعيب بحق كرتنا ألا تقوى على هذه المنتخبات وأن نكون جسر عبور لها مع العلم أن ظروف هذا البلاد أكثر قسوة من ظروفنا وليس لها أي ماض عريق وتاريخ مشرق في عالم كرة القدم، ومن خلال ذلك نتأكد أن كرتنا تتراجع والآخرون يتقدمون، وإذا استمر الحال على هذا المنوال فستتهاوى كرتنا إلى مواقع لا نتمنى رؤيتها.
والمشكلة الأكبر تجسدت في اختيار أعضاء اللجنة المؤقتة وخصوصاً أمين السر المجرب سابقاً والمعروف بتصرفاته الفردية، بينما يفتقد بقية الأعضاء للخبرة المطلوبة وبالأخص أن أحد أعضاء اللجنة اختصاصه كرة السلة، فهل عدمنا الكوادر الكروية الخبيرة القادرة على قيادة هذه المرحلة إلى بر الأمان، لذلك فإن ما وصلت إليه الأمور في كرتنا يتحمل مسؤوليته أصحاب الحل والربط.
قرارات هزيلة
كل القرارات الصادرة من القائمين على كرة القدم في العامين الماضيين تشير إلى جهل تام بعملية بناء كرة القدم وتطويرها وكيفية تنميتها، وثبت أن جميع من دخل قبة الفيحاء غير مؤهل للعمل فيه لضعف الخبرة والثقافة الكروية الناضجة وزاد من سوء ذلك دخول المصالح الشخصية على خط العمل بكل مفاصله، لذلك من الطبيعي أن يتصف القائمون على العمل الكروي بسوء الإدارة وسوء التصرف سواء على صعيد الإدارة والتنظيم أو على صعيد النشاطات المحلية والخارجية، وأكثر شيء اهتم به القائمون على العمل الكروي تمرير النشاط الداخلي كيفما كان واقتصر عملهم على إصدار جداول المباريات وإصدار العقوبات فقط.
وتناسى هؤلاء أن وضع جدول مباريات الدوري، أي دوري هو فن وعلم قائم بذاته يراعي مصلحة اللعبة أولاً ومصلحة الأندية أيضاً، لكننا ما زلنا متمسكين بقرعة بالية قديمة ليس لها ميزان عادل على أقل تقدير، ويمكن لهذه القرعة أن تحابي فريقاً على حساب آخر من خلال قوة المباريات وتدرجها، وهذا الأمر مكشوف للأسف، ولكن التعامل فيه يأتي بالفرض دون أن يكون للنادي المظلوم حق الاعتراض، ورغم أن القرعة تجري بحضور مندوبي الأندية إلا أن الترتيبات تحصل قبل حضورهم لتكون تمثيلية القرعة مهيأة تماماً.
وما يخص القرارات الانضباطية فهناك الكثير من الأمور التي يجب أن تصحح قبل الخوض في الحالات وما تستوجب من عقوبات، فاللائحة الانضباطية أكل عليها الزمن وشرب وباتت تحتاج إلى تعديل ربما كان جذرياً لأن أغلب موادها مطاطة ويتم النفوذ من خلالها نحو قرار يتم تفصيله على مقياس المعاقب حسب درجة قربه من المعنيين أو علاقته بكبار القوم، ومن هنا نجد أن العدالة تغيب، فهناك معاقبون مدللون وهناك من نسلط على رقبته أقسى العقوبات وهذا يخص الأفراد والأندية على حد سواء.
وقبل إصدار العقوبات هناك تنسيق تام مع المراقبين حتى تكون التقارير مدروسة وحتى لا تحرج لجنة الانضباط ومن ورائها اتحاد كرة القدم بحالات لا يقوون على معالجتها وهناك أيضاً تدخل خاص من قبل بعض الأندية وهو معروف للعيان في الكثير من الأحوال، وكم من حالة شوهدت بأم العين غابت عنها العقوبة المناسبة وعند السؤال عن سبب ذلك يقولون: جاءت العقوبة استناداً لتقرير المراقب، وكان شريط المباراة (شاهد ماشفش حاجة) ويبقى المراقب هو الصادق الوحيد.
لذلك كان المستغرب من اتحاد الكرة المستقيل الذي جلس على كرسي الفيحاء عامين أنه لم يقدم على قراءة اللائحة ولم يسع إلى نفض الغبار عنها فبقيت الأمور تدار حسب قوانين القرون الوسطى، مع العلم أن الفيفا وكل الاتحادات القارية والاتحادات الوطنية تعمل على تغيير لوائحها بشكل مستمر بما يتماشى مع التطورات الجديدة ومع كل الحالات التي تظهر من جديد وتكون بالأصل غير موجودة باللائحة.
ومن سوء الإدارة وضعف الشخصية القيادية عدم القدرة على اتخاذ القرار الصعب في الكثير من الحالات المهمة، وربما كان يحكم هذه الحالات العلاقات الشخصية والتدخلات الكثيرة من خارج اتحاد كرة القدم فيستهلك البت بهذه الحالات شهوراً كثيرة ولو كانت اللوائح واضحة ولدينا الرغبة بتنفيذها بتجرد دون محاباة أحد لما استغرق البت بها ساعات كما حدث بقضية اللاعب شعيب العلي وقضية الاعتداء على الحكم بلقاء حرجلة مع جبلة وقضية التزوير الخاص بنادي الكسوة وقضية التزوير الخاص بلقاء المحافظة مع حطين وغيرها من الحالات التي ظن اتحاد كرة القدم أن الزمن وحده قادر على حلها.
لوائح المسابقات
الحديث هنا ينصب حول أسلوب النشاطات المحلية ومدى جدواها، والملاحظ أن أحداً لم يفكر أو يبحث في جدوى المسابقات وأسلوبها وهل هي متناسبة مع تطوير الكرة أم إنها تقام كعمل روتيني ليس إلا؟
فإذا كان دوري الدرجة الممتازة رجالاً وشباباً ضمن المعقول بغض النظر عن أسلوب التعاطي معه والاهتمام به، فإن باقي النشاطات في خبر كان ولا تحظى بأدنى اهتمام وهي تسير سير دوري الأحياء الشعبية بكل تفاصيلها.
وحتى الآن لم نفهم المقصود من هذا العدد الكبير في دوري الدرجة الأولى وأسلوبه بتوزيع الفرق على أربع مجموعات وإقامة الدوري بفترة شهرين فقط وغيره من التفاصيل التي لا تدل على أن الدوري بشكله الحالي مفيد للفرق وللكرة السورية.
قد لا تكون المشكلة الرئيسية في الدوري بالعدد إنما المشكلة بنوعية الفرق وقدرتها على الوجود الفعلي في الدوري، والملاحظ أن العديد من الفرق غير قادرة على مواكبة الدوري وتشارك فيه كرفع العتب لعدم قدرتها على مواكبة الدوري والتحضير له وتأمين مستلزمات فرقها ومن أمثلة هذا الموسم فرق عمال حماة والضمير والنبك والميادين والمخرم، وكاد فريق مصفاة بانياس أن ينسحب من الدوري بين الذهاب والإياب لكن تراجع في اللحظة الأخيرة بعد أن تم إقناع اللاعبين بالصبر على إدارة النادي، وفريق عامودا اعتذر عن متابعة الدوري في الإياب لعدم توفر المال اللازم علماً أن أغلب مبارياته تجري في الحسكة.
هذا مثال من هذا الموسم أما في المواسم السابقة فالأمثلة كثيرة والفرق التي هبطت إلى الدرجة الثانية لم تعد إليه واستقرت هناك لأنها أيقنت أن ثوب الدرجة الأولى أكبر من ثوبها.
هذه صورة بسيطة، وهناك تفاصيل مخزية أكثر، لذلك نقول ما جدوى أن نحشر كل هذه الفرق في هذه الدرجة؟ ألم يكن الأجدى أن نبقي القادر من الفرق على الوجود في الدوري وعلى تطوير ذاته، لكن كما علمنا أن اتحاد كرة القدم مصر على هذا العدد لدواع انتخابية لأن أندية الدرجة الأولى تملك أصواتاً انتخابية، فالغاية إذاً شخصية وليست متعلقة بتطوير كرة القدم وانجاح الدوري.
دوري الشباب في هذه الدرجة أكثر ظلمة من الرجال وهناك نرى العجب العجاب فالكثير من الفرق تخسر بأرقام كبيرة ما يدل على أن فرقها مدرسية أو من الحارات الشعبية وهي غير معدة للدوري أبداً، أما الفئات العمرية الصغيرة فلا يوجد لها دوري للأسف وتقتصر مباريات هذه الفئة على ما تنشط به اللجان الفنية في المحافظات، ونلاحظ عدم توفر فرق الناشئين بالكثير من الأندية لأن الأندية غير مجبرة أو مضطرة لتشكيل هذه الفرق والصرف عليها.
ومن خلال هذا الإهمال لم تأت نتائج منتخب الناشئين في بطولة غرب آسيا سارة لأن اللاعبين غير معتادين على المباريات الرسمية النوعية التنافسية، أما الأشبال فحدث ولا حرج.
الاحتراف الأعمى
من يهمل لوائح الانضباط والمسابقات من الطبيعي أن يهمل لوائح الاحتراف لأنها تحتاج إلى اختصاصيين في هذا المجال، وليس عيباً أن نتعلم من الآخرين كيف ينظمون قانون الاحتراف ومواده ونصوصه، لكن القانون الحالي على ما يبدو جاء تفصيلاً على قياس البعض الذين رأوا فيه مدخلاً قانونياً للفساد.
فكل شيء في قانون الاحتراف المطبق يوحي بفساد كرة القدم على صعيد الأندية والمعنيين عن كرة القدم، وكم من مستفيد من هذا القانون على حساب المال العام وعلى حساب كرة القدم وتطويرها.
عام مضى من عمر كرة القدم دفعنا فيه المال الكثير ولم نحصد منه إلا الخسران والتراجع والتقهقر وما ذكرناه كان غيضاً من فيض وكل ذلك بسبب تسلط البعض على كرة القدم وغياب المحاسبة الجادة الرادعة، ووفق ذلك ستبقى كرتنا تعاني الويلات ولن ينصلح حالها ما دامت العلة موجودة وقائمة، وما دام القائمون على الشأن الرياضي غير مدركين لما يحدث في ملاعبنا وكرتنا.