ثقافةصحيفة البعث

منى واصف.. لم يسكرها نجاح ولم تخف من فشل

استقبلت إدارة وطلاب المعهد العالي للفنون المسرحية الفنانة منى واصف مؤخراً بكل الحب الذي يليق بها وباسمها الكبير، ضمن ملتقى الإبداع الذي دأب عميد المعهد د. تامر العربيد على إقامته، لتكون واصف خير من يعلن عن عودة الملتقى بعد غيابه لسنوات. وأشارت د. لبانة مشوح وزيرة الثقافة التي حضرت اللقاء مع طلاب المعهد إلى أن ملتقى الإبداع فريد من نوعه، تنظمه إدارة المعهد لدعم عملية تأهيل الشباب في المعهد بهدف الالتقاء بفنانين لهم خبرة طويلة في المسرح والتلفزيون والسينما للاستفادة من تجربتهم والاطّلاع عليها، وقد بدا لها من خلال لقاء الفنانة منى واصف أنها سعيدة بمهنتها وشغوفة ومخلصة لها وهي متوازنة داخلياً، صادقة مع نفسها ومع الآخرين، وهذا ما يجب أن يتعلّمه الطلاب منها لأنها صاحبة موهبة ومثابرة وعاشقة لما تعمل ومتواضعة، لذلك أصبحت نجمة، وهذا ما يجب أن يتعلمه الطلاب منها، وخاصة عندما قالت: “لم يسكرني نجاح ولم يخفني فشل”. في حين بيّن د. تامر العربيد أن واصف قامة إبداعية والمعهد يكبر بوجودها الذي لم يكن مجرد لقاء وإنما ضرورة ليستزيد الطلاب من خبرتها، حيث إن المعهد كمؤسسة معرفية تعليمية بحثية إبداعية يحتاج لوجود هؤلاء الكبار للحديث عن تجاربهم، موضحاً أن ملتقى الإبداع هو ملتقى أكاديمي يحاول الاستفادة من خبرات ضيوفه عبر حوار حقيقي وحميمي، وقد كان من حسن حظ المعهد العالي للفنون المسرحية أن يبدأ موسمه باستضافة الفنانة منى واصف، وهو الذي أطلق هذا الملتقى عام 2014 حين تسلّم العربيد عمادة المعهد في الفترة ما بين 2014 و2016 وأنه اليوم مصرّ على عودته باستضافة أسماء كبيرة، وقد كانت البداية مع منى واصف وعلى القائمة كبار الفنانين أمثال أسعد فضة، وهو من المؤسّسين للمعهد العالي وأول أستاذ قام بتخريج الدفعة الأولى، والكبار: غسان مسعود، الأب الياس زحلاوي، نادين خوري، باسم ياخور. كما أوضح الناقد سعد القاسم الذي أدار الحوار أن ملتقى الإبداع هو جزء من العملية التعليمية، ويهدف إلى إتاحة الفرصة للطلاب للاستفادة من تجارب المبدعين السوريين، مؤكداً أن الفنانة واصف مرتبطة بذاكرة ووجدان أجيال عديدة من السوريين بما تحمله من قيمة كبيرة.

ملكة جليلة

منى واصف بدأت كلامها مع الطلاب بحديثها عن تلك الأحلام التي كانت تزيّن حياتها، وكانت تحلّق بها إلى البعيد فتغدو ملكة تسكن قصراً على جبل قاسيون تارة ومحاربة تارة أخرى، وكانت لديها رغبة كبيرة في أن يعرفها الناس، مؤكدة أن التمثيل لم يكن يدور في خاطرها، وعندما لم يحالفها الحظ في أن تكمل تعليمها كان لا بد لها من أن تبحث عن عمل، فعملت عارضة أزياء بدايةً وراقصة شعبية في فرقة أمية، ومن ثم توجّهت للمسرح العسكري للعمل فيه، وقد قام باختبارها الفنان الراحل محمد شاهين الذي كان مديراً له وفيه بدأت خطواتها الأولى في التمثيل وتثقيف نفسها عبر القراءة، فشاركت في جميع عروض المسرح العسكري التي أخرجها المخرج محمد شاهين -الذي أصبح زوجها- وكان معظمها مقتبساً عن أعمال عالمية، وكان يتمّ تقديمها للقوات المسلحة في قطاعاتهم، مشيرة إلى أنها تعرفت من خلال هذا المسرح على أهم الفنانين الذين كانوا يعملون به وفي مقدمتهم سعد الدين بقدونس ومحمود جبر ود. رفيق الصبان صاحب فرقة ندوة الفكر والفن والذي كان يجري بروفاته على خشبة المسرح العسكري، وكانت واصف تتابع من وراء الكواليس تلك البروفات التي كان يشارك فيها هاني الروماني وأسامة الروماني ويوسف حنا وهم يقدمون أعمالاً لشكسبير وغيره وباللغة العربية الفصحى، وقبل زواجها عرض عليها رفيق الصبان العمل معه وقد جسّدت شخصية الدوقة بورشيا وظل التصفيق لها يرافقها بعد الانتهاء من عرضها وتوقفها عن التمثيل لمدة سنة بسبب زواجها، ولم تخفِ واصف أنها وافقت على ترك التمثيل لأنها لما دخلت هذا المجال لم يكن لديها شغف حقيقي وكان كل ما يعنيها حين بدأت أن يكون لديها عمل وراتب، إلا أنها في هذه السنة اكتشفت كم كانت تعشق التمثيل، لذلك عادت لندوة الفكر والفن التي أصبح اسمها ندوة الفنون الدرامية وقدّمت معها مجموعة كبيرة من العروض المسرحية التلفزيونية، وفي العام 1965 ضمّت ندوة الفنون الدرامية إلى المسرح القومي وفيه شاركت منى واصف بعروضه وبقيت فيه كموظفة لغاية العام 2000.

الملكة جليلة

وأشارت منى واصف إلى أنها شاركت في عروض المسرح القومي بدايةً بأدوار صغيرة ومتوسطة ثم بطلة وتألقت في عدة عروض، أهمها “الزير سالم” في دور الملكة جليلة بعد أن كانت قد شاركت في أعمال سينمائية بمشاركة أهم النجوم العرب، مؤكدة عدم رضاها عما قدمته في السينما، حيث لم تكن أدوارها فيها على المستوى نفسه الذي كانت تقدمه في المسرح القومي، وما جعلها تشعر بذلك أنها عندما كانت تقدم “الزير سالم” على خشبة المسرح كان يُعرض لها فيلم “ذكرى ليلة حب” فكتب أحد النقاد عنها مطولاً مشيداً بدورها في المسرحية، وعندما شاهد الفيلم كتب مخاطباً واصف : “لماذا تخلعين تاجك بيديك ملكة على المسرح وكومبارس في السينما”، وقد أثر هذا الكلام فيها فقررت ألا تعمل في سينما القطاع الخاص.

الرسالة

وبيّنت واصف أن أول عمل تلفزيوني شاركت فيه كان “ميلاد بطل” مع رياض ديار بكرلي في العام ١٩٦١ ثم شاركت في عدة أعمال وحققت شهرة عربية كبيرة من خلال تجسيدها لشخصية دليلة في مسلسل “دليلة والزيبق”، وكذلك مسلسل “أسعد الوراق” إخراج علاء الدين كوكش، مشيرة إلى أنها وفي الوقت نفسه الذي كانت تقوم فيه بتصوير “أسعد الوراق” اختارها المخرج الراحل مصطفى العقاد عام 1975 لفيلمه العالمي “الرسالة” بعد أن كانت المنافسة على دور هند بنت عتبة قاتلة حمزة تدور بينها وبين نضال الأشقر وماجدة الخطيب وسميحة أيوب والذي شكل نقلة نوعية لها في مشوارها الفني وساعدها على زيادة ثقتها بقدراتها، أما اليوم فهي تتمنى أن تجسّد شخصية أنديرا غاندي من خلال فيلم عالمي لأنها شخصية سياسية استثنائية، كما طالبت طلاب المعهد بعدم استعجال الشهرة والمثابرة والاجتهاد حتى يصلوا لتحقيق طموحاتهم، مؤكدة لهم أنه لا يوجد شيء سهل، ومع هذا لم تفكر يوماً بالابتعاد، وهي بطبعها تذهب للتصوير قبل ساعتين من الموعد، وعندما تخرج من بيتها إلى العمل تشعر وكأنها ذاهبة للقاء حبيبها، ورغم أنها حقّقت كل أحلامها في المسرح والتلفزيون والسينما لكنها لا تزال تحلم لأنها تحب الحياة.

وفي ختام اللقاء قدّمت وزيرة الثقافة للفنانة منى واصف درعاً تقديراً لمسيرتها الحافلة وعرفاناً بتجربتها التي امتدت لستين عاماً.

أمينة عباس