وجه آخر للإبداع
البعث الأسبوعية- سلوى عباس
أثارت ظاهرة دخول بعض الفنانين والممثلين والمخرجين إلى مجال الكتابة الأدبية والنقدية، حفيظة البعض وفتحت المجال لأسئلة كثيرة إذا كان اتجاه الفنانين للكتابة كفائض إبداعي، أم هو توظيف لنجوميتهم ليعبروا عن حضورهم الثقافي عبر الأدب، مع أن الاستمرار في عالم الكتابة معيار هام من معايير جدية تجربة الكتابة في حياة الفنان وجدارتها بالتقييم، وفيما مضى كانت مساهمات الفنانين الكتابية تقتصر علي كتابة سيناريوهات بعض التمثيليات والمسلسلات، وكان الأمر يبدو ضمن أجواء العمل نفسها، لكن هاجساً من نوع آخر أطل في اهتمامات بعض الفنانين، فمنهم من اتجه لكتابة الشعر، ومنهم من كتب القصة والرواية والمسرحية، وثمة من خاض في مجال كتابة الزوايا الصحفية في الصحف والمجلات، وإذا توقفنا عند تجارب بعض الفنانين في الأدب فإننا نرى في تجربة المخرج الراحل علاء الدين كوكش خير مثال على هذه الظاهرة إذ قال في أحد حواراته: “مع تقدمي في العمر بدأت أحس أن هناك أشياء لا يمكن التعبير عنها في التلفزيون، لأنها لا يمكن أن تجاز من قبل الرقابة في المحطات العربية، فكان أن اتجهت الي كتابتها على شكل قصة قصيرة تعبيراً عن مخزون أو مشاعر لا يمكنني التعبير عنها بعمل تلفزيوني، إضافة إلى أنني أتوجه الي شريحة أخرى من الناس تحترم الكلمة المكتوبة وترى في القراءة زاداً معرفياً لا تغني عنه وسائل الاتصال الأخرى، لكن الأهم في هذه المسألة أن كتابتي للقصة والمسرحية، ترضي لدي حاجة الابداع الفردي التي أكون فيها سيد الموقف، أي صاحب الفكرة والمعبّر عنها، وعن أسلوب معالجتها دون وسائط أخرى، حيث أن الكتابة الأدبية انحيازاً للحياة ودفاعاً عنها”. أما الفنان بسام كوسا فيضعنا في تجربته أمام الرؤية الانتقادية التي تنطوي على حالة من التعرية والإدانة يحاول أن يقوله ككاتب بصوته الخاص، ربما لا يمكن أن يقوله كممثل عبر أصوات الشخصيات التي يؤديها بخيرها وشرها، فبسام كوسا الكاتب هو صاحب رؤية تبحث في الجوهري والأصيل في الحياة، وتنحاز بمحبة ووعي إلى عالم الناس البسطاء والمأزومين بمختلف شرائحهم وانتماءاتهم، وهو فنان مبدئي ملتزم بجودة الفن قبل أي شيء آخر، ولا يختلف كثيراً في الكتابة عنه في التمثيل، أسلوبه بسيط ومشوق يشد القارئ ويعبر عن إحساسه بالتفاصيل وقدرته على إبرازها بشكل مرهف لا يجيده إلا فنان محترف. والقول ذاته ينطبق على تجربة الفنان أيمن زيدان عبر مجموعاته القصصية التي أنتجها، والتي حملت في مضمونها حكايات إنسانية تنبض بالوجع والمعاناة، وتحاكي قضايا فكرية وإنسانية التقطها بعين الفنان المبدع، وهي تجربة متفردة لاتقل شأناً عن تجربته الفنية.
أما من حيث اتجاه الفنانين للكتابة كفائض إبداعي فهذا أمر يأتي ضمن السياق الطبيعي لتجربتهم الإنسانية، فربما يكون لديهم ما يقولونه ككتاب لم يستطيعوا قوله كممثلين، ومن الطبيعي أيضاً أن يكون لنجومية الفنان أثرها في تلقي القارئ والناقد وحتى جهة النشر للنص الأدبي الذي يكتبه والذي يدعم في بعض وجوهه تجربته الفنية، ويحتاجه لإخراج مكنوناته الداخلية سواء الوجدانية أو الإنسانية أو الاجتماعية، أو حتى الألم الذي يعيشه الفنان الكاتب حتى يتبلور على الورق حيث أنه كإنسان لا ينفصل بهمومه ومعاناته عن هموم المجتمع، وإذا أردنا محاكمة المنتج الأدبي للفنان بعيداً عن نجوميته التي حققها في الفن فإن القيمة الفكرية أو الفنية أو اللغوية التي يقدّمها هذا الفنان أو ذاك في منتجه الأدبي هي المعيار الأساسي في تلك المحاكمة، مع اعتبار أن هؤلاء الفنانين لا يقدمون أنفسهم للناس ككتاب، بل كأشخاص من حقهم أن يعبروا عن أفكارهم عبر الكتابة أياً كان نوعها.