اقتصادتتمات الاولى

خيبة أمل بعد تدنّي إنتاجنا من الشوندر والقمح البحوث العلمية تتغنى باستنباط أصناف بذرية عالية الإنتاج غير موجودة إلا في قواميسها

بعد أكثر من ربع قرن على زراعة محصول الشوندر السكري وما يرافقها سنوياً من منغّصات، هل ما زال الحديث عنه ممكناً دون الوقوع في الملل والتكرار؟.
ومع كل ذلك لابد لنا من طرح العديد من الأسئلة التي يأتي في مقدمتها وواجهتها، لماذا يتدنّى الإنتاج في وحدة المساحة؟ ولماذا لم تتعدّ درجة الحلاوة الثلاثة عشر في أحسن الأحوال، في حين تصل في مصر وأوروبا إلى العشرين رغم أن ظروفنا الجوية والمناخية ملائمة ومناسبة للمحصول أكثر من أوروبا لجهة درجة الحلاوة؟.

خسائر
ومع ذلك ما زالت الحكومة مصرّة على زراعة المحصول -أي الشوندر- دون نتائج مرضية وبمعنى أوضح خسارة بخسارة، فعمليات استيراد السكر الأحمر وتكريره أوفر بكثير وأربح، ولكن في المحصلة هي سياسة زراعية يراد منها أن يبقى المزارعون متمسكين بأرضهم وبزراعتهم وهذا كلام لا غبار عليه.
لكن في الشق الثاني من القضية يبرز السؤال الأهم وهو: هل يعقل بعد ربع قرن وأكثر من التجارب على هذه الزراعة، ألا تتوصّل وزارة الزراعة وبحوثها العلمية إلى استنباط بذار أكثر إنتاجية وأعلى درجة حلاوة وأكثر مقاومة للظروف المناخية غير المناسبة للمحصول، رغم امتلاكها التكنولوجيا والمعدات، حيث لم يعُد يفهم ما يجري سوى أنه يأتي من باب التجريب وجعل أراضي الفلاحين مختبراً لتجريب ما يتم استنباطه من بذار بدلاً من مضاعفة الإنتاج أضعافاً مضاعفة، رغم وجود أكثر من 450 خبيراً وفنياً وأكاديمياً كما يحلو لوزارة الزراعة أن تتغنى؟.
نقول هذا الكلام ونحن على اطلاع بأن درجات الحلاوة كانت في مطلع الثمانينيات تتعدّى 16 درجة وأحياناً كانت تصل إلى 18 و19 لتشهد السنوات المتتالية فيما بعد تراجعاً ملحوظاً أشبه بالمتوالية الحسابية، “إلى الوراء در” وتصل إلى 12 درجة وأحياناً أقل؟.
في هذه الأثناء وعلى مدار السنوات العشر الماضية تتحفنا وزارة الزراعة وبحوثها العلمية الزراعية، بأنها استنبطت العديد من الأصناف البذرية للقمح والشوندر وغيرهما ذات المردودية العالية جداً التي تصل في الهكتار الواحد من 8 -10 آلاف طن في محصول القمح، ولم تكتفِ بهذا الحدّ بل قامت بتكريم من استنبط وتوصّل إلى هذه النتائج ومنحه آلاف الدولارات وسط احتفال كرنفالي قلّ نظيره.

رؤية
في هذه الأثناء نرى أن مردود الهكتار الواحد من القمح لم يتعدّ 700كغ وفي أحسن الأحوال طناً واحداً، وإنتاجنا لهذا العام لم يتعدّ نصف مليون طن فأين الـ 3 ملايين طن التي وعدت بها وزارة الزراعة؟، وهي تبرّر نقص الإنتاج لهذا العام بنقص المستلزمات في حين كانت تقول دائماً أثناء الموسم إنه تم تأمين كامل مستلزمات المحصول، ما يعني أن لديها تبريرات جاهزة للعام القادم أيضاً، وفي محصول الشوندر لم يتعدّ إنتاج الدونم هذا العام 2-3 أطنان وهو الذي كان ينتج من 5 – 6 أطنان.
لن نذهب بعيداً فقد توقعت الهيئة العامة لتطوير الغاب أن يصل إنتاجها هذا العام من القمح إلى أكثر من 100 ألف طن من مساحة قدرها 55 ألف هكتار، فإذا به لم يتعدّ الـ60 ألف طن، ومن الشوندر كان توقعها بأن يصل إلى 55 ألف طن وإذا بكامل إنتاج المحافظة قد توقف عند 42 ألف طن من مساحة تتجاوز عشرة آلاف هكتار نتج عنها سكر أبيض 300 طن تم تصنيعه مؤخراً، كما ذكر لنا المهندس إبراهيم نصرة مدير عام شركة سكر سلحب، في حين كان إنتاج الشركة وحدها عام 2012 أكثر من 40 ألف طن من السكر..

استطلاع
ألا يعتبر هذا تراجعاً كبيراً لجهة المساحات المزروعة والإنتاج؟
سألت أحد المزارعين: لماذا تدنّى إنتاجنا من القمح والشوندر فأجابني بابتسامة العالم بخفايا الأمور قائلاً: إما من البذار وإما من الظروف الجوية والأرجح من البذار.
لكن هموم هذا المزارع ما هي إلا قطرة في بحر من هموم المزارعين الآخرين.
أذكر جيداً أنه عندما أريد تعشيب ملعب الباسل لكرة القدم بحماة في مطلع التسعينيات لاستضافة دورة الوفاء للباسل، قامت مجموعة من المهندسين الزراعيين والفنيين بزراعة الملعب بالعشب الطبيعي، فكانت المفاجأة أن البذار الذي تمت زراعته هو بذار باذنجان.
بالمختصر المفيد قد تكون الظروف المناخية سبباً في تدني إنتاجنا الزراعي وخاصة لمحصول الشوندر، لكن هذه الوقائع تتكرر سنوياً بشكل واضح وجلي، فضلاً عن إصرار وزارتي الزراعة والصناعة على أن تبقيا المعنيّتين بمحصول الشوندر رغم المطالبة المتكررة والمتعدّدة منذ سنوات لجهة تحديد جهة الإشراف على المحصول.
الخلاصة أنه تستطيع وزارة الزراعة أن تقدّم لنا الأرقام الإنتاجية والإحصائية التي تريد، لكن قناعة الناس بهذه الأرقام متوقفة دائماً على ما تنتجه الأرض فعلياً!.

حماة – محمد فرحة