ثقافة

(نساء من هذا الزمان) فـــــــــن اللعـــــــب مــع المحظــور!

تلقي الصحفية بثينة عوض ومخرج نصها (نساء من هذا الزمان)، المخرج أحمد إبراهيم أحمد، بالخطوط الحمراء والمحرمات جانباً، لتقدم عملاً ملفتاً بعيداً عن الشرطة المتمركزة  في دواخل كل منا، مخاتلاً السلطات الاجتماعية والرقابات الرسمية، بغية عرض مقطع من حياة البلد وحياتنا بصراحة جارحة، عبر حياة مجموعة من الصبايا تتقاطع مصائرهن في سياق الصراع مع المحيط الاجتماعي في ظل وضع مأزوم وأزمة مستعصية.. هذه النماذج نراها بيننا ونتعايش معها كل لحظة لكننا نغفل عما تعانيه، وهنا تستبطن الكاتبة والمخرج عوالمهن (الصبايا) النفسية والاقتصادية وحتى السياسية، لتظهر لنا ما تخفيه وسائل الإعلام والإيديولوجيات الرسمية.
ديما (رهف شقير) محامية تخاف العنوسة فهاجسها الدائم إيجاد عريس حتى لو من خلال الانترنيت بعدما خسرت حلمها بزميلها المحامي منصور (مهيار خضور)، أما شام فهي طبيبة نفسية متنورة وامرأة مستقلة تملك زمام أمرها، تصدم بمنظومة القيم الاجتماعية الاستبدادية فتخسر حبيبها الذي تتصارع فيه قيم الذكورة الشرقية مع قيم التمدن والمدنية، كونه ابن بيئة محافظة لم يستطع القطع معها ولا التصالح.
فريدة (أمانة والي) أم شام (قمر خلف) الطبيبة النفسانية صاحبة جمعية نسائية معنية بقضايا المرأة والدفاع عنها تخوض معاركها مع الرجال كونهم سبب تعاسة المرأة، تدخن وتشرب الكحول ولا تحفل بأي من محظورات البيئة المحيطة، وشغف (ميرنا شلفون) روائية ناشئة تكرس علاقتها بالرجل لتصعد إلى الشهرة الأدبية وتحتل مكاناً لها كمبدعة، لذلك تتصف علاقتها بالروائي سامي (رامز الأسود) بالانتهازية، فهو يخون زوجته باستمرار ولا يؤمن بقيود الجسد وامتلاكه، وبنفس الوقت هو شرقي يضرب زوجته ويهين كرامتها ويضرب بعرض الحائط القيم الفكرية والإنسانية التي يدّعيها، بينما ليال (هبة نور) التي تعرضت لابتزاز الرجال كامرأة جميلة، تنتقم من الرجل بطريقة ذكية، حيث توقع في الحب رجلاً ثرياً (حسام تحسين بيك) وتستنزف ماله وعواطفه وتثير غيرته ليبقى راعياً لها ومغدقاً لأمواله على جمالها ودلعها، وعائشة (رنا كرم) فتاة محجبة تهتم بالسياسة وبحركات الاحتجاج، تنشط عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتنشئ مجموعات تهتم بالشأن العام وتميل بفكرها إلى الإسلام المعتدل وتنادي بطروحات ليبرالية ضمن الحراك، تغرم بشاب علماني ميار (يامن الحجلي) يعيش جملة تناقضات، فهو ابن رجل أعمال فاسد (جهاد سعد) يجني ثروته من تجارة السلاح والمخدرات، يصطدم الاثنان دائماً فلكل منهما توجه فكري وسياسي مختلف يتجلى خلال الأحداث الراهنة، بينما (شكران مرتجى) امرأة متعلمة مغلوب على أمرها متزوجة من رجل أمي يعمل في البناء وتعهدات المخالفات قاسي الطبع يضربها بشكل يومي وهي مستسلمة لا تقوى على أي فعل، لديهما مشكلة في الإنجاب فتضطر لإجراء عملية طفل أنبوب وعندما تفشل تلجأ لعملية أخرى لكن بنطفة رجل آخر، لكي تتخلص من إهانة زوجها اليومية كعقيم مستبد وظالم لا يعترف بمشكلته. وهناك نموذج آخر مختلف: سوزي (مديحة كنيفاتي) ابنة رجل الأعمال وشقيقة الناشط السياسي (ميار) مهووسة بجمالها وشكلها تجري عمليات تجميل دائمة لشكلها لدرجة ننسى معها شكلها الحقيقي، وبنفس الوقت هي مريضة نفسياً تضرب خادماتها وتعذبهن بشكل متوحش، فهي تعتبر الآخرين مجرد حثالات خلقوا لخدمتها وطاعتها. وأخيراً لدينا نموذج نسائي يستمرىء الذل فاتنة (عهد ديب) زوجة الكاتب الشهير (سامي) تتعرض للإذلال اليومي والاهانة من زوجها العاشق للنساء والكاتبات الصاعدات، لذلك تنتمي لجمعية (فريدة) النسائية وتدخن نكاية بزوجها في محاولة لتقليد صاحبة الجمعية.
كل صبية تحمل قضية خاصة تتقاطع مع القضايا العامة على خلفية الأزمة المعاشة سياسياً وأمنياً، نتلمسها من خلال أصوات الاشتباكات والرصاص في خلفية المشاهد، إضافة للحوارات السياسية التي تجري بين عائشة وصديقيها في العمل.
النص يحاول معالجة قضية المرأة بجرأة بعيداً عما هو مألوف في الدراما السورية لذلك لا يوارب ولا يتلطى خلف التوريات، يقدم هذه النماذج كما هي بدون تجميل، إن كان من الناحية النفسية أو السلوكية والخارجية، كما أنه –النص- يحوي بعض المشكلات كالحوارات المتكررة بين الشخصيات (شكران- سعد) وجهاد سعد وابنته وبين عائشة وأصدقائها في المكتب، إضافة لعدم اكتمال رسم بعض الشخصيات كما هي حالة شخصية والد ديما (نزار أبو حجر) إنها شخصية غير مقنعة وليس لها تبرير درامي كافٍ، كما أن زميلي مينه (ورشة البناء)  يبدوان كإكسسوارات أكثر من كونهما شخصيات فاعلة درامياً، ولا نعرف ما هي طبيعة عمل شركة ميار التي ليس فيها إلا ثلاثة موظفين!.
أما الإخراج فقد وقع في عدة مشاكل منها: تكرار اللقطات وزوايا التصوير ففي كل مشاهد شكران مرتجى وزوجها نراه يدخل يقذف جزمته ويضرب زوجته، ونادراً ما دخل البيت بدون أن يوجه الضرب لها، وبنفس الحوارات وزوايا الكاميرا، أيضاً جهاد سعد في كل مشهد يدخل إلى بيته يسأل سوزي عن حالها ثم يخرج بنفس الحركة كتكرار للمشاهد ذاتها، كما أن سعد مينه وزملاءه في ورشة البناء يجلسون يتشاجرون في نفس المكان وبنفس الحركة، كذلك مشاهد الروائي المصري (أيمن رضا) مع شغف مشاهد متماثلة مع أداء غير مقنع للنجم رضا أبداً في لهجته المصرية وحواراته عبر السكايب. ومن المطبات في العمل الموسيقا التصويرية التي تتناقض مع المشاهد ودواخل الشخصيات، إضافة لخلل في عمليات المكساج، حيث تستمر نفس المقطوعة رغم انتقالنا لمشهد جديد مختلف الإيقاع حركياً ونفسياً، وهناك أيضاً مشكلة في أغلب مسلسلاتنا، وهي إصرار الممثلات على بقائهن في أجمل شكل وبكامل المكياج، حتى وهنّ مستيقظات من النوم مباشرة، مما يضعف من صدقية المشهد، وهنا يتواطأ المخرج مع رغبات النجمات الجميلات.

أحمد خليل