ثقافة

“ليس بعد الآن”.. السردية الشاعرية لأحزان مثقف سوري

حين نعبر في مفازات عمل أدبي علينا أن نتهيأ تماماً لكل ما فيها من حزن وفرح، علينا أن نخلع الأصوات من حولنا لنسمع صوت الكاتب المبدع. عند محاولة طرق باب الرواية كعمل أدبي ننتظر من الكاتب التشويق وصناعة الحدث في حبكة تظهر قوة العمل و”ليس بعد الآن” رواية سورية للإعلامي جورج حاجوج، عمل يفيض بالمشاعر والانفعالات الشديدة التي تأخذ بيدك لتلاحق الحدث وتستمر بالقراءة دون توقف. لغة سردية مليئة بالشاعرية تقدم ذات الكاتب بطريقة رقيقة جداً مع كل المواضيع التي قدمتها من خلال الشخصية الرئيسية “حسان” والمثالية المغرقة التي قُدم بها. ومع هذه اللغة السلسة المفعمة بالحزن الكثير يقدم حاجوج سيرة شاب سوري من فترة الثمانينيات حتى وقت قريب من هذا الزمن، مبعداً جميع الظروف السياسية عن جو الرواية مركزاً على الناحية الثقافية كأنما يوازن بين الماضي وما نحن عليه اليوم. الهم الثقافي والفكري احتل جزءاً هاماً وكبيراً من الرواية من خلال الشخصيات الثلاث “حسان وماهر ونبيل”  متعكزاً على صدى رواية زوربا في تلك الحقبة حيث شكلت شخصية زوربا هاجساً لدى بطل الرواية كما لو أنه يسعى لإيجادها، إضافة لأنها شكلت النقل في الأحداث كما حدث بين “حسان” و”نبيل” في لقائهما الأول بالإضافة إلى ذلك اقتباسه لجملة منها في نهاية الرواية. وقد كان للشعر حضوره في العمل أيضاً من خلال تضمينه بعض القصائد إضافة لشخصية “نبيل” الشاعر والذي يرى فيه تحقيق لذات “حسان” عبر تذليل الصعوبات وطباعة الديوان الأول وحفل التوقيع.
يتسلل الحزن في كل مفاصل الرواية وتفاصيلها، وتفيض سواقي الجمل بالأسى اليومي الذي يحيط بـ”حسان” فيرسمه الكاتب بكل طرقه المقدسة والسيئة في آن، برؤيته الشخصية وأدبيته العالية وقد قدم ذلك من خلال الحوار بين الشخصيتين “حسان وماهر” فيقول: ” إذن الحزن ملح الحياة..حق مقدس.. والفرح حق مقدس.. وكل المعاني الأخرى حقوق مقدسة..وأنا أريد أن أمارس هذا الحق.. المشكلة أن الحزن الدفين في نفسك يشبه بركة مياه آسنة راكدة، لا تلبث أن تفوح منها الروائح، كلما رميت فيها حجراً أو نفاية ما..”
تقدم الرواية عدة آراء للكاتب في مواضيع ذاتية  فهو “الخريفي” الذي يرسم فصل الخريف كما يراه ويحب في الوقت الذي لا يحدد موقفاً ثابتاً من الصيف حتى تدخل الأنثى التي تغير كل شيء كأنه أراد أن يقول أن الأنثى هي صاحبة التغيير في حياته، وعن فصل الخريف كان له رؤية أدبية وفلسفية فيقول عنه: “هو فصل التطهر الذي تبدأ الرياح فيه بكنس ما علق من غبار وآثام في النفوس..استعداداً للاغتسال في الشتاء..” أما الحب فكان المحور الأكبر الذي سيطر على تفاصيل الرواية بعد المعاناة الحياتية التي عاشها “حسان” وزواجه الفاشل، هذا الزواج الذي جاء تلبية لرغبة الأم، فنرى الحب بكل أشكاله حب العائلة والأصدقاء والعمل وأخيراً حب الأنثى التي تصل متأخرة إلى حياة “حسان”، كان الحب واضحاً معرفاً بالنسبة للروائي: “ليس للحب هدف أو غاية أو مقصد يجب الوصول إليه، لأنه حال الوصول إليه، يطرح السؤال نفسه: وماذا بعد؟ وهذا ما لا يمكن الإجابة عنه لأنه فعلاً السؤال- المأزق..”
تسطع حياة “حسان” بعد دخول “شمس” إليها، الأنثى الضائعة منذ زمن، وصولها المتأخر لم يمنع من إقامة علاقة بينهما تنتهي نهايتها المحتومة. تاركة أثراً كبيراً وتغيراً جذرياً تجلى بمحبته لفصل الصيف: “أريد أن أطمئنك إلى أنني لم أعد متوجساً أو قلقاً من قدوم فصل الصيف..صار بالنسبة لي كالشتاء والربيع..شمس جعلتني أقتنع أن الصيف جميل على الرغم من حره وقيظه..”
“ليس بعد الآن” رواية سورية تقع في 350 صفحة، صادرة عن دار علاء الدين 2013 والغلاف لأسعد عبد الجبار حسان.
خضر مجر