ثقافة

عبد القادر الجزائري ..أمير جمع بين السيف والقلم

هي إضاءة على حياة الأمير عبد القادر الجزائري ولمحة عن صموده في وجه الغزاة الفرنسيين بالإضافة إلى الحديث عن مؤلفاته وأهمها كتاب “المواقف” الذي أثار الجدل والتساؤلات واختلفت حوله الآراء وقسمت المواقف تجاه أمير جمع بين السيف والقلم وحول هذه الإشكاليات جاءت محاضرة الدكتور بكري علاء الدين التي ألقاها في مجمع اللغة العربية  تحت عنوان “من مواقف الأمير عبد القادر الجزائري” واستهلها بتقديم لمحة عن حياة الجزائري فهو الأمير عبد القادر بن محي الدين ينتهي نسبه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء ولد في عام 1807م في قرية القيطنة قرب مدينة معسكر  وعندما كبر حفظ القرآن الكريم ودرس علوم التفسير والحديث النبوي والفقه والشريعة والأصول والنحو، ورعاه والده واعتنى بتكوينه وتثقيفه وأخذه معه عندما وُضع تحت الإقامة الجبرية إلى وهران فوَّسع ثقافته كما صحبه معه في رحلته إلى المشرق للحج.
وتحدث د.علاء الدين عن الاحتلال الفرنسي للجزائر وموقف الأمير منه وبداية المقاومة الجزائرية المنتظمة فذكر واقعة خنق النطاح الأولى التي أبرزت عبقرية الفروسية لديه وكذلك واقعة النطاح الثانية التي كانت بقيادة الأمير الجزائري نفسه وأظهرت شجاعته وعبقريته العسكرية بين أقرانه، وذكر تفاصيل مبايعة الأمير عبد القادر فقال: لما استقر رأي أعيان القبائل في الجزائر على تعيين أمير لهم في القتال رشحوا محي الدين والد الأمير عبد القادر لكنه اعتذر ورشح ابنه حيث تمت مبايعته، وبعد توليه السلطة نظم الهيكل السياسي لدولته وعين العمال والقضاة ورتب مجلساً للشورى ودوّن الدواوين ونظم قوانين الجيش.

حروبه مع الفرنسيين
وعن حروب الجزائري مع الفرنسيين قال د. علاء الدين: استمرت الحروب بين الأمير والفرنسيين أكثر من ستة عشر عاماً خاض فيها الأمير ما يزيد على أربعين معركة القسم الأعظم منها مع الفرنسيين والقسم الباقي مع متمردي القبائل داخل الجزائر، كما وعقد مع الفرنسيين معاهدتين الأولى مع الجنرال دي ميشيل، والثانية معاهدة التافنة الشهيرة التي سمحت بعودة الهدوء إلى الجزائر وازدهار الحالة الاقتصادية والتبادل التجاري، لكن الحروب عادت للاندلاع مما أضطر الأمير لعرض فكرة الاستسلام مع الفرنسيين بناء على شروط مكتوبة إلا أن الفرنسيين لم يلتزموا بالشروط وبدلاً من نقل الأمير مع أهله إلى الإسكندرية أو عكا تم نقله إلى قصر مهجور في أمبواز، واللافت أنه أثناء مروره بمدينة بوردو استقبلته الجماهير الفرنسية بمظاهر الإعجاب والتقدير كدليل على شعبية الأمير في فرنسا والتي بلغت ذروتها بعد سنة 1860م.

مؤلفاته
وفيما يخص مؤلفات الأمير عبد القادر لفت د.علاء الدين إلى أن أول كتاب ألّفه الأمير كان في سجنه بأمبواز وذلك رداً على الانتقادات الموجهة للإسلام من بعض الكتاب الفرنسيين  وكان بعنوان (المقراض الحاد لقطع لسان منتقص دين الإسلام بالباطل والإلحاد)  وأيضاً كان هناك كتاب (ذكرى العاقل وتنبيه الغافل) الذي عرض فيه معارفه التراثية وتمت ترجمته إلى الفرنسية، كما له ديوان شعر طبع عدة مرات.

طابع صوفي
ولكن يظل كتاب المواقف أهم مؤلفاته – حسبما أشار د.علاء الدين- فقد قضى في تأليفه أكثر من ربع قرن ويتألف الكتاب من 372 موقفاً ومقدمة على شكل مقامة رمزية يلخص فيها تجربته الصوفية وانصب اهتمامه في هذا الكتاب على معالجة الموضوعات التالية:  وهي المواقف المفتتحة بالآيات القرآنية وبالأحاديث النبوية، ومواقف هي أجوبة تشرح كتاب الفتوحات المكية لابن عربي وبضعة مواقف يصف الأمير فيها وقائعه الروحية،  وكذلك مواقف أخرى لشرح حكم وأقوال وأبيات من الشعر الصوفي، وأهم ما يميز هذه  المواقف أو ما يعطيها طابعها الصوفي الخاص هو ارتباط كل موقف منها تقريباً بآية قرآنية  وتجربة روحية، خاصة وإن المصطلح الأكثر دقة في التعبير عن هذا الارتباط هو مصطلح الوجد الذي “يأخذه عن نفسه” ونجد عشرات المصطلحات التي تصف التجربة الصوفية إضافة إلى المشاهد والمناجاة والمبشرات والكشف والوقائع ورأى علاء الدين أن جميع طبعات الكتاب ينقصها التحقيق العلمي لأن جميعها كانت تنقل عن طبعة القاهرة ثم عن طبعة دمشق.

خطورة المصطلح
كما نوه د.علاء الدين إلى أنه لا يمكن الحديث عن كتاب المواقف للأمير الجزائري دون الحديث عن كتاب الفتوحات المكية لابن عربي فكلاهما فصول وأبواب تبدو للوهلة الأولى  بدون رابط منطقي داخلي يعلن عن وحدة الموضوع بشكل منهجي ومتدرج وكلاهما كتب خلال فترات متقطعة على امتداد عقدين أو ثلاثة من الزمن والموضوع الأساسي في الكتابين هو التعبير بالدرجة الأولى عن تجربة صوفية شخصية عميقة ومتميزة والجدير بالذكر أن الأمير عبد القادر المحسوب فكرياً على مذهب أبن عربي الفلسفي ليس مقلداً لأستاذه بل هو مبدع ومتميز، ولعل أخطر المواضيع التي ينطوي عليها الكتابين هي موضوع “وحدة الوجود” ومصطلح الوجود في مذهب ابن عربي وأتباعه هو مصطلح شديد الالتباس لعلاقته الوثيقة بالمصطلح الأساسي للتجربة الصوفية وهو الوجد.

تهمة الزندقة
وأشار د.علاء الدين إلى أن مواقف المسلمين من ابن عربي انعكست على الأمير عبد القادر فمنهم من كفّر ابن عربي ومنهم من أعجب به، وهناك قسم توقفوا في الحكم عليه وتركوا أمره لله تعالى، وبما أن التهمة الأساسية التي توجه إلى الفيلسوف عادة في أوساط الفقهاء وفي أذهان الناس عامة هي وصمه بالزندقة والكفر يرى ابن عربي أن ذلك لا يشكل دليلاً مقنعاً للامتناع عن الأخذ بآراء الفيلسوف التي قد تتفق مع أراء الأنبياء أو كبار مفكري الدين.

شخصية  القرن
واختتم د .علاء الدين بالقول: إن من يطلع على بعض تعليقات مواقع الانترنت الهابطة التي تستغل عدم معرفة الناس بسيرة الأمير وأمجاده تحاول تشويه سمعته بعدة اتهامات تدل على جهل وحمق مؤلفيها ويمكن القول بكل ثقة أن الأمير عبد القادر كان أهم شخصية في القرن التاسع عشر الميلادي في التعبير عن إنسانية الإنسان وارتقائه فوق أنانيته، وأما كتابه “المواقف” فهو موجه لنخبة المسلمين المثقفين وعلى من لا يجد القدرة على فهم الأمور أن  يطلع على تاريخ الفلاسفة وعلم الكلام.
لوردا فوزي