ثقافة

«جـراحـات وطـن»… لـكـل جـرح حـكـايـة

لأن جراحهم فداء لنا ولكل جرح حكاية، ولأن نزيف دمائهم كرمى لأعيننا، فهم حماة الديار ورجال الوطن الأحرار الذين عاهدوا فصدقوا، ولأن وطنهم غال يفدى بالروح ولا ينسى أي  تضحية وفداء، وحيث تتعانق الكلمة والريشة وتتغمس بطهارة ونزيف جرحى الجيش العربي السوري لتروي لنا حكاية الجرح وتجربة ملامسة الشهادة دون الظفر بها، فجراحهم مهدت لنا الطريق لنحيا، وصنعت لنا آمالاً بنصر لابد آت، لذا ستبقى جراحهم مصدر فخر لكل سوري شريف ولكل جندي جريح، لكل هذا وأكثر جاء مهرجان “جراحات وطن” بدعوة من اتحاد الكتّاب العرب واتحاد الفنانين التشكيليين وبالتعاون مع سيدات سورية الخير والذي أقيم في مبنى اتحاد الكتّاب العرب، وقد رأى د. حسين جمعة رئيس الاتحاد أن “جراحات وطن” هو مهرجان وطني سوري وعربي بامتياز نلتقي فيه لنقف وقفة احترام وتقدير للشهداء الأحياء الذين عطروا بجراحاتهم تراب الأرض ومن حقهم على الأدباء والمبدعين وأبناء الوطن أن يبرزوا صوراً ساطعة من بطولاتهم.
ولفت جمعة إلى أنه إذا كان المبدعون يحاكون تلك البطولات بأشعارهم وقصصهم ولوحاتهم الفنية فإن بيننا من الأبطال من يحدثنا عن التجربة الحقيقية التي عاشوها بعنفوان عال، فهم واجهوا أعداءهم بكل صلابة وحققوا ذواتهم الوطنية الحرة ببطولاتهم وصمودهم وصبرهم، معتزين بما بذلوه في سبيل سورية.
وأكد جمعة على أن سيادة الأوطان لا تبنى إلا بإرادة أبنائها الشرفاء ومشاركتهم في حماة حياضها والحفاظ على هويتها المقدسة.

في كل لون حكاية
من جهته أكد الدكتور إحسان العر رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين أنه على الرغم  من جراحاته يبقى الوطن عامراً بالمبدعين الذين يقدمون في كل لون حكاية سطرها جنودنا البواسل، واعتبر أن المعرض التشكيلي الذي يرافق المهرجان ما هو إلا مساهمة في رصد حقيقة الإبداع ودوره، وهو الأصدق في التعبير والـتأثير والتنوير، وما نقوم به يشكل معنى أخلاقياً لمسيرة سورية الوطن والمدرسة، وهو تعبير عن شرائح كرست خبراتها لتكون مبنى للحياة، فحقيقتنا ستبقى مليئة  بالمبدعين ضمن الحاضن الكبير سورية.

الجيش الأسطورة
كما رأت الإعلامية إلهام سلطان من مجموعة سيدات سورية الخير أن أجمل اللحظات هي عندما نقف هذه الوقفة أمام عظمة الجيش السوري الأسطورة الذي أذهل العالم، فهو شرف وكرامة وعزة الأمة العربية، وأمام من يكتبون شرف الأمة بدمائهم لا يتبقى أي كلام، واعتبرت سلطان أن الأمل والنصر سيولد من رحم جراحهم وستعلّم سورية العالم أجمع معنى الكبرياء والصمود والتآخي الذي يظهر جلياً بتواجد كل أطياف المجتمع في هذا المهرجان.

الوطن تاج
من جانبه وجّه اللواء جابر سليمان مدير مكتب شؤون  الشهداء التحية لرجال قواتنا الباسلة أصحاب الضمائر الحية والعزائم الصلبة الذين يذودون عن تراب الوطن، ونوه إلى أن الوطن ليس مجرد مساحة من أرض مسورة لحدود طبيعية بل هو انتماء للأرض وتجذر فيها، والمواطن ليس من أقام في المكان بل هو من أحسن مشاركة من يقيم معه مشاعر الانتماء وهموم الوطن وآماله وآلامه، فالوطن تاج مرصع بلون الدم، والمواطن الحق من حمل راية الدفاع عنه، كما قدم بطاقة شعرية عنوانها “وطن الخلود” جال فيها على محافظات سورية ومدنها وجاء في مطلعها:
وطني أبي/ وإليه أنتسب/ ودمشق أمي/ والهوى حلب
كما عُرض فيلم تسجيلي بعنوان “نبض الوطن” بإشراف توفيق أحمد وإعداد إلهام سلطان وإخراج علي طراف، تحدث عن الجيش السوري رمز العطاء والتضحية الذي سطر أروع ملاحم الفداء، وأكد في كل معركة له على وحدته وعقائديته.

صوت من الميدان
صوته القادم من ميدان المعارك أشعرنا بالعنفوان، وأكد لنا على صمود جنودنا البواسل، إنه البطل الجريح الرائد فراس نجم الدين سليمان الذي تحدث عن تجربته وما مر به أثناء دفاعه عن وطنه الغالي، فقد جُرح فراس أكثر من خمس مرات وخسر معظم  زملائه في ساحة القتال ولكنه مازال مستعداً للعودة إلى الميدان حتى القضاء على آخر عدو للوطن، كما عبّر سليمان عن افتخاره بكل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية التي قدمت شهداء وجرحى، وأشاد بالإعلام السوري الذي كان يداً بيد وخطوة بخطوة إلى جانب الجيش العربي السوري، كما لفت إلى أهمية الوقوف إلى جانب جرحى القلوب وهم أمهات وذوو الشهداء، فجراح القلب أعمق من جراح الجسد، كما تحدث أيضاً مجموعة من الأبطال الجرحى عن نضالهم في الميدان، وعن الجراح العديدة التي تلقوها في معاركهم.

بطاقات شعرية
وبما أن المهرجان ميدان قتال وإبداع، فكان للشعر جولته في المهرجان، حيث أُلقيت  بعض القصائد بدأها الشاعر توفيق أحمد  مدير القناة الأولى في التلفزيوني العربي السوري بشعر يعبّر عن اعتزازه ببطولات الجيش ويعتبر جراحهم ملاحم تسطر المجد، فقال:
جراحك ألف ملحمة توالت          حتى ليس تحصر
وما جدوى الحياة بلا جراح       إذا نزفت على المصباح نور
حروف الجرح مفردة ولكن      بما تعني تجاوز ألف دفتر
كشفت بجرحك السر المخبأ    وغيرك كم تعثّر حين فسّر
كما واعتبرت الشاعرة ليندا إبراهيم أنه لغاية الفخر والشرف الوقوف أمام جراحات الجندي السوري، ورأى اللواء حسن حسن أنه ليس هناك أجمل من أن تتعانق بندقية مقاتل وبندقية مبدع من أجل وطن الأبجدية الأولى، وطن العزة والنصر وقرأ بطاقة شعرية بعنوان “بلاد الياسمين كفاك صبراً”:
أنا السوري يا أحرار هيا       نبلسم جرحنا الدامي سويا
بلاد الياسمين كفاك صبراً     فنار الصبر تأكل أصغريا

عشق فلسطيني
وبما أن الصورة لا تكتمل إلا بوجود فلسطين أطل علينا الشاعر الفلسطيني صالح الهواري ليؤكد أن الشام ستبقى قبلة العالم، ولأنها استعصت على الريح اصطفاها الورد عاصمة له فلها يغني العاشقون وهي التي لا عيب فيها غير أن رغيفها الوطني ليس لها، وإن الملح فيها ليس يخون، وأما فيما يخص ما يُسمى الربيع العربي، فقال: هب الربيع وما انتظرناه    ياريت إنا ما رأيناه.
واعتبر الدكتور نزار بني المرجة المهرجان ثمرة تعاون بين منظمات نقابية  وجمعيات أهلية لتكريس ثقافة المقاومة في أذهان المواطنين نهجاً وممارسة عبر تسليط الضوء على بطولات الشهداء الأحياء وإبراز قصص البطولة في ميادين المواجهة عبر الكلمة واللوحة والسلاح.

تكريم الجرحى
وفي ختام المهرجان تم تكريم عدد من جرحى الجيش العربي السوري وتكريم الأستاذ حسين غالب الحسين والإعلامية إلهام سلطان ونظمت عباس سفير النوايا الحسنة للسلام وحقوق الإنسان الذي اعتبر أن المهرجان دليل تلاحم الشعب مع الجيش  والقيادة.

لوحات للوطن
كما افتتح معرض تشكيلي شارك فيه مجموعة من الفنانين كالفنانة نهى جبارة التي  شاركت بلوحة تعبيرية تجسّد الألم الذي يعيشه كل من فقد عزيز في هذه الأزمة، بينما شارك الفنان فداء منصور بلوحة “لحن الوطن” التي تتحدث عن التراث العريق للأمة من خلال رجل عجوز لإيصال فكرة أن الوطن يهرم، لكنه لا يموت بل يزداد عراقة وأصالة.
لوردا فوزي