اقتصاد

زيادتان.. وعقلنة؟!

وفق الدارج في تناقل الأخبار، حين يريد أحدهم أن يوصل خبرين لعزيز عليه، فما يكون من الأول مباشرة إلاّ أن يُخيِّر الثاني سائلاً: هل أخبرك بالخبر السيئ أم الجيد..؟ فيكون الرد الفطري، عجّل بالأول، واسترسل بالثاني.
لعلّ حكومتنا استثمرت بهذه الفطرة، فأعلنت خبر زيادة المازوت والغاز والخبز، محدثة ما يشبه الصدمة، لكنها ما لبثت أن صارت صدمة إيجابية حين أُعلن صباح أمس عن خبر المرسوم التشريعي القاضي بمنح ﺗﻌﻮﻳض ﻗﺪره 4 آلاف ﻟﻴﺮة ﺷﻬﺮﻳﺎً ﺑﺎﺳﻢ ﺗﻌﻮﻳﺾ ﻣﻌﻴﺸﻲ للعاملين المدنيين واﻟﻌﺴﻜﺮﻳﻴﻦ، واﻟﻤﺘﻘﺎﻋﺪﻳﻦ، واﻟﻤﺘﻌﺎﻗﺪﻳﻦ ﺑﻌﻘﻮد ﺳﻨﻮﻳﺔ.
وما عدّل من المزاج العام إلى حدّ مهم، أن التعويض لن يخضع ﻷ‌ﻳﺔ ﺣﺴﻤﻴﺎت ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎن ﻧﻮﻋﻬﺎ، وﻳﺼﺮف ﻣﻊ اﻟﺮاﺗﺐ، أو اﻷ‌ﺟﺮ أو اﻟﻤﻌﺎش.
هنا ومن باب الاستحقاق لا بد من التذكير بأن “البعث” وفي هذه الصفحة كانت أول من تحدث عن الزيادة تحت عنوان “نار الزيادة ودخانها”، وأعقبت ذلك بمادة أعلنت فيها عن مشروع زيادة كان أُنجز ولا يحتاج إلاّ إلى وقت كي يكون نافذاً.
يومها لقي الخبر صدى إيجابياً واسعاً رغم تبياننا سلبيات الزيادة قبل إيجابياتها، لكن ما لبث أن أصبحنا محطّ اتهامات بأننا كذا وكذا..، ومع ذلك تقبلنا النقد بنوعيه الموضوعي وغير الموضوعي. لكن رهاننا كان دائماً على حكمة وحنكة قيادتنا وحكومتنا اللتين ستظلان تفاجئان باللامتوقع لكل صديق وعدو.
رهاننا الذي أصرينا عليه وجزمنا أنه سيصل إلى ما نتوقعه في ظل جملة المعطيات المحقّقة، لم يخب، بل كسبناه داخل الصحيفة وخارجها. ولا فضل لنا، لأنه واجب ومسؤولية.
في سياق متصل نودّ التساؤل فعلاً حول العقلية التي تُدار بها مثل هذه القرارات “الخطرة”، ونقول: أليس من الضروري والأولى بالحكومة -وهي تمتلك الأدوات القادرة على تبيان وتوضيح وجهة نظرها- اتباع أسلوب المكاشفة بالأهداف والأرقام والبدائل مع المواطن الذي نراهن على أنه سيتفهم بالمحصلة الإجراءات، كما عمل وحاول ويحاول أن يتفهمها خلال الأعوام الأربعة من عمر الحرب الكونية على وطنه؟!.
أما تساؤلاتنا الأخرى فتتمحور حول: لماذا لا نزال نلغي الدعم بهذا الشكل الانتقائي؟ علماً أننا من الرأي القائل بعقلنة الدعم، أو بالأصح إعادة هيكلته بشكل ومضمون يؤديان فعلاً إلى توفيره لمستحقيه الحقيقيين وأيضاً بشكل مباشر لا انتقائية فيه.
لا شك أن موضوع الزيادة بشقيها –سواء زيادة أسعار المازوت أو الغاز والخبز، وقبلها الماء والاتصالات وغير ذلك من زيادات مباشرة وغير مباشرة عبر ضرائب ورسوم، أو زيادة الأربعة آلاف ليرة– كانت وستكون محطّ حسابات واحتسابات الحكومة سابقاً ولاحقاً، وكذلك عند المواطن، وفي هذا نأمل كل الأمل والرجاء أن تكون النتيجة عبرة إيجابية، أن نحسن إدارة السالب والموجب كي نستطيع أن نسير في النور، فمن يمشي فيه لا يتعثر.
ننبّه إلى هذا انطلاقاً من المقولة “الإنشتانية” المعدلة: “ليس من الحكمة فعل الشيء نفسه مرتين بالأسلوب نفسه والخطوات نفسها، وانتظار نتائج مختلفة”، فما بالك، على حدّ تعبير صديق، إن كانت أكثر من مرة يا إنشتاين؟!.
قسيم دحدل
qassim1965@gmail.com