الصفحة الاولىمن الاولى

مـوسكــو تنجح بما فشــل فيـــــه الآخــرون ثمانية مبادئ لكسر الجمود في ختام أعمال اللقاء التشاوري

موسكو ـ البعث ـ سانا :
نجح الأصدقاء الروس في جمع بعض  أطراف  المعارضة، ممن كانوا يرفضون الحوار ويضعون شروطاً تعجيزية، مع وفد حكومة الجمهورية العربية السورية، ليتم وضع الأسس السياسية للحوار الوطني السوري-السوري، والجميع مطالب باتخاذ إجراءات حاسمة تضمن تغيير الوضع بأسرع ما يمكن.
وانتهت أمس جلسات اللقاء التمهيدي التشاوري بين وفد الحكومة السورية ووفد شخصيات المعارضة باتفاق الوفد الحكومي وخمسة أحزاب معارضة وشخصيات أخرى على مجموعة مبادئ قدّمتها روسيا تحت تسمية “مبادئ موسكو”، ركزت على الحفاظ على سيادة سورية ووحدتها ومكافحة الإرهاب بكل أشكاله، وتسوية الأزمة بالوسائل السياسية السلمية، ورفض أي تدخل خارجي، والحفاظ على الجيش والقوات المسلحة كرمز للوحدة الوطنية وعلى مؤسسات الدولة وتطويرها، “نص المبادئ ص11”.
إدراك المشاركين في اللقاء التشاوري لأهمية الدور الروسي الفعال والإيجابي دفعهم لقبول الدعوة الروسية، والتعبير عن شكرهم لحكومة روسيا الاتحادية الصديقة، ولمعهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية لاستضافة هذا اللقاء في موسكو، متطلعين إلى مواصلة المشاورات السورية-السورية في هذا الإطار.
وكان وفد حكومة الجمهورية العربية السورية إيجابياً ومنفتحاً طوال الجلسات التشاورية في لقاء موسكو، حسب تأكيد رئيس الوفد الدكتور بشار الجعفري، الذي أشار إلى أن مجرد انعقاد اللقاء التشاوري في موسكو هو كسر للجمود الذي كان قائماً منذ بداية الأزمة، وأن الأصدقاء الروس نجحوا حيث فشل الآخرون.
وقال الجعفري في مؤتمر صحفي عقب انتهاء جلسات مناقشات لقاء موسكو: إن “اللقاء خلق حالة من التواصل بين بعض المعارضين الذين كانوا يرفضون الحديث مع الحكومة ويضعون شروطاً تعجيزية، إلا أنهم مع ذلك لبوا في النهاية دعوة الأصدقاء الروس إلى موسكو، وجلسوا مع وفد حكومة الجمهورية العربية السورية وهذه هي المشاورات الأولى التي جرت بين وفد الحكومة ووفود المعارضات بالجمع”.
الوفد الحكومي استجاب لرغبة الأصدقاء الروس بإصدار مبادئ ساحة موسكو، مع تأكيد الجعفري على عدم وجود نتائج تامة لهذا اللقاء لأنه لقاء تمهيدي تشاوري، مضيفاً: إن “أغلبية المعارضات وافقت أيضاً على دعم إصدار هذه المبادئ، وذلك تقديراً منا للجهود التي بذلها الأصدقاء الروس وللدور التوفيقي الذي قام به البروفيسور فيتالي نعومكن وفريقه الفني”.
وقال الجعفري: إن بعض المعارضين بصفته الشخصية اعترض على فكرة اعتماد مبادئ ساحة موسكو في آخر لحظة، وذلك تحت ذرائع غير مقنعة وهو أمر فاجأ الوسيط الروسي، مضيفاً: إن وفد حكومة الجمهورية العربية السورية وطيلة فترة الجلسات كان منفتحاً على تبادل الآراء والأفكار مع وفود المعارضة، لكنه لم يسمع ولا مرة واحدة موقفاً موحداً لوفود المعارضات، فما يوافق عليه البعض في المعارضات كان يرفضه البعض الآخر، حتى في إطار الملف الإنساني المهم ولو أنه كان خارج نطاق رسالة الدعوة الروسية.
ودارت خلافات بين صفوف المعارضة نفسها حول النقاط التي نوقشت خلال الجلسات، ولم يحدث خلاف بين وفد الحكومة ووفود المعارضات، حيث سربت وسائل إعلامية أنباء عن حدوث خلاف بين الوفدين، وهو ما نفاه الجعفري، معتبراً أن هذه التسريبات “عارية من الصحة تماماً”، مضيفاً: إنه مع ذلك اتفقنا مع الأصدقاء الروس على أن تستمر المشاورات لعقد لقاء قادم تشاوري سيتم الاتفاق على موعده عبر الأقنية الدبلوماسية، مبيناً أن الحكومة السورية تطمح إلى أن تكون خاتمة اللقاءات التشاورية التمهيدية هي انعقاد مؤتمر للحوار الوطني في دمشق.
ورداً على سؤال حول الاتفاق على موضوع مكافحة الإرهاب قال الجعفري: ما جرى بالضبط أننا ناقشنا موضوع الإرهاب بإسهاب وطرحنا هذا البند بقوة على جدول أعمال الاجتماع وكان الوسيط الروسي متفهماً لهذا الأمر وداعماً لمناقشته، ولذلك صدرت فقرة خاصة عن هذه المسألة في مبادئ موسكو.
ورداً على سؤال حول آلية الحل وهل ستبقى بحسب بيان جنيف الأول مع إقرار أغلبية الوافدين إلى موسكو بوجوب تعديله، قال الجعفري إن هذه المسألة أثيرت في النقاشات وتحدثنا عن مبادئ جنيف1 وتطرّقنا حتى إلى جنيف2، والبعض تحدث عن أن جنيف1 لم يعد متناسباً تماماً مع المرحلة الجديدة.
وأشار الجعفري الى أن من البنود المهمة التي تمّ التركيز عليها في ورقة مبادئ موسكو – وهذا حصل بالإجماع – إدانة اعتداءات “إسرائيل” على سورية ولبنان، والطلب من الأمم المتحدة وما يسمى المجتمع الدولي الضغط عليها، وكذلك الدعوة إلى تنفيذ قرارات مجلس الأمن الإلزامية التي اعتمدت تحت الفصل السابع لمكافحة الإرهاب، وأضاف: إن وفد الحكومة والمعارضات أقروا بوجود إرهاب أجنبي فوق الأراضي السورية وتوافقوا على ضرورة مواجهته وهناك بند مهم في مبادئ موسكو يدعو إلى زيادة حجم المساعدات الإنسانية المقدمة للشعب السوري وهناك بند آخر يدعو إلى الحفاظ على مؤسسات الدولة ودعم الجيش العربي السوري، وتابع: طلبنا بندين يتعلق الأول بإجماع الحاضرين على ضرورة تحرير الجولان السوري كاملاً إلى حدود الرابع من حزيران عام 1967، والبند الثاني هو ضرورة توحّد السوريين حكومة ومعارضات وراء طلب رفع الإجراءات الاقتصادية القسرية أحادية الجانب عن الشعب السوري، وتم إقرار هذين البندين، ولم يعترض عليهما أحد.
وعن حديثه حول وجود معارضات، قال الجعفري: هو توصيف حقيقي ودقيق، وأقرت به المعارضات خلال الاجتماع، لافتاً إلى أن ما لاحظناه هو أننا كنا أمام معارضات وليس معارضة، وكانوا يختلفون فيما بينهم أمامنا.
من جانبه أعلن فيتالي نعومكن، ميسّر اللقاء التمهيدي التشاوري أنه ستتم الدعوة إلى لقاء ثان في موسكو، يمكن لمن تخلف عن اللقاء الأول أن ينضم إليه، معرباً عن الترحيب بكل الدول والمنظمات التي يمكن أن تساعد على محادثات سورية-سورية.
وأضاف نعومكن أن المشاركين اتفقوا على تلاوة “مبادئ موسكو” التي تركز على الحفاظ على سيادة ووحدة واستقلال سورية وسلامة حدودها والوقوف في وجه الإرهاب بكل أشكاله وتوحيد الجهود في الحرب ضد الإرهابيين، كما ركز على حل الأزمة في سورية بالطرق السلمية والسياسية بالتعاون والتفاهم المشترك انطلاقاً من بيان جنيف الأول، وأشار إلى أن “مبادئ موسكو” أكدت على وجوب تحديد المستقبل السوري على أساس الحرية والديمقراطية لدى الشعب السوري، وعدم السماح بالتدخل الخارجي في الشؤون السورية والحفاظ على فاعلية مؤسسات الدولة وتطويرها بما فيها الجيش والقوات المسلحة وسيادة القانون والمجتمع السوري وتنوعه، لافتاً إلى أنه تم التأكيد أيضاً على عدم السماح بوجود أي مسلح أجنبي على أرض سورية من دون موافقة الحكومة السورية ووجوب إنهاء احتلال الجولان وإزالة العقوبات عن الشعب السوري.
وأوضح نعومكن أن ممثلي المعارضة والمجتمع المدني توجهوا بطلب للحكومة السورية بالخروج بمعايير مشتركة لإنشاء جو مناسب لعملية الحوار الوطني الشامل، وعبروا عن الرغبة في إجراء لقاء تشاوري آخر في موسكو، لافتاً إلى أنه يمكن أن يدعى إلى اللقاء الثاني من رفض المشاركة في الأول، وأنه لدعم وتعزيز الاتصالات بين السوريين في موسكو تم تشكيل مجموعة عمل منسقين ساعدوا السوريين في الوصول إلى التفاهم بمشاركة السفراء.
وشدد نعومكن على أن هناك أموراً إيجابية كثيرة حصلت في اللقاء التشاوري الذي جرى والذي لا يجب مقارنته مع اللقاءات السابقة، مقترحاً بأن يشارك مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية ستيفان دي ميستورا في المناقشات القادمة في موسكو.
وبيّن الميسر الروسي أن المشاركين دعوا المجتمع الدولي ومن أجل تسهيل الأوضاع الإنسانية التي يعاني منها الشعب السوري إلى الإسراع بتنفيذ المساعدات الإنسانية على أساس قرارات الأمم المتحدة وإلغاء العقوبات أحادية الجانب التي يعاني منها السوريون والتي أدت إلى قلة المواد الضرورية للحفاظ على حياة السوريين، كما طالبوا بالتنديد بالعمليات العسكرية التي تشنها “إسرائيل” ضد سورية ولبنان ووجوب الحفاظ وعدم الخلل بميثاق الأمم المتحدة، كما طالبوا بالتنديد بالتدخل الأجنبي في سورية ودعوة مجلس الأمن الدولي لتأمين تنفيذ هذه الطلبات وقبل كل ذلك قراراه /2170/ و/2178/ المتعلقان بوقف والقضاء على جذور الإرهاب.
ولفت نعومكن إلى أن هناك قوى إقليمية ودولية كانت تريد أن تفشل هذا الاجتماع، وهذه القوى ستحاول تشويه نتائج الاجتماع الأول وتعوق إجراء الاجتماع السوري الثاني، وقال: إن الشركاء الغربيين دعموا المبادرة الروسية في البداية بمن فيهم وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ولكن للأسف مجدداً يقومون بخطوات ليست بناءة بل تزيد من نار الصراع كتدريب “المعارضة المسلحة” التي لن تساعد في حلحلة الأزمة.
ووفقاً لوجهات نظر محللين استراتيجيين تبدو الإيجابية التي شهدها لقاء موسكو، بعد سلسلة من جلسات النقاش، في الاتفاق على عقد لقاء تشاوري آخر يحدد موعده لاحقاً تمهيداً لإطلاق حوار سوري-سوري شامل يرسم ملامح الحل الذي يتمناه السوريون ويضع آلياته على أمل أن يعقد في دمشق، ويعلق متابعون: بأن لقاء موسكو حقق ما فشل فيه مؤتمر “جنيف2″، فكسر الجمود الحاصل، وخرج عن الطابع الاستعراضي الدعائي، وأثبت أنه خطوة على الطريق الصحيح المفضي إلى حل سوري يستجيب لإرادة السوريين أنفسهم ويحافظ على سورية دولة سيدة موحدة مستقلة.