ثقافة

التشكيليون الفلسطينيون يرسمون لفلسطين والقدس دفاعا عن الهوية

يعتبر معرض يوم الأرض من أهم معارض الفنون التشكيلية الفلسطينية، وأوسعها مشاركة من قبل الفنانين الذين يحرصون على حضور قضيتهم وإيقاظ جذوة الانتماء لفلسطين، والتزام النضال حتى تحقيق العودة وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة، وكما عهدنا بالفنان الفلسطيني أنه أكثر الفنانين تناولاً للموضوع الوطني وانسجاما معه، ونكاد نجزم أنه من غير الممكن أن نلحظ أي تجربة فنية فلسطينية غير مشغولة بالهم الفلسطيني وقضية العودة والتحرير، وقد تعددت مفردات هذا الموضوع الأثير واختلفت باختلاف تطورات مراحله لكنها أخذت الطابع النضالي وبأدوات الفن المتنوعة منها التشكيل والسينما والموسيقى والغناء، وفنون الكتابة والأدب والأنشطة التراثية التعريفية والتوثيقية التي ترعاها مؤسسات وجمعيات أهلية فلسطينية، وجهات رسمية سياسية ومنظمات تنشط في المجتمع الفلسطيني في الداخل والشتات.
ولا بد من التعريف بأهمية هذا اليوم الوطني الفلسطيني الذي يسجل في التاريخ النضالي الحافل لهذا الشعب، في مقاومته للاحتلال والتهويد وإلغاء الهوية العربية الفلسطينية وإنكار حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه وتقرير مصيره، ففي يوم 30 آذار 1976 أُعلن الإضراب العام في فلسطين احتجاجاً على مصادرة آلاف الدونمات من أراضي أهلنا، إمعاناً في سياسة ينتهجها الاحتلال في تهويد الجليل والأراضي الفلسطينية الأخرى، وقد أدت المواجهات إلى سقوط عدد من الشهداء الذين واجهوا آليات العدو ومجنزراته بصدورهم العارية، مدافعين عن تراب بلادهم: خير ياسين من قرية عرابة – خضر خلايلة وخديجة شواهنة ورجا ابو ريا من سخنين – محسن طه من كفر كنا – رأفت الزهيري من عين شمس وقد أشعل استشهاد هذه الكوكبة من شهداء يوم الأرض في الطيبة، الأراضي الفلسطينية بالاحتجاجات من النقب حتى الجليل، وقد اعتبرت هذه الاحتجاجات النموذج والمثال على التلاحم الوطني الفلسطيني في وجه الاحتلال، وانطلاقاً من هذا الحدث يحيي الشعب الفلسطيني يوم الأرض، تأكيدا على وحدتهم الوطنية وحقوقهم المشروعة التي لا يمكن التنازل عنها.
وبالعودة إلى معرض الفنانين الفلسطينيين الذي افتتح في صالة الشعب فقد شارك فيه 44 فناناً تنوعت أعمالهم بين التصوير الزيتي والنحت والتصوير الفوتوغرافي،  تقاربت في مواضيعها وتشابهت عند البعض، خاصة في تناولها المباشر للقضية الفلسطينية، وتحديداً في الكاريكاتير ورسوم الإعلان والبوستر السياسي، وهدف هذه الأعمال الوصول للغاية الوظيفية التي تخدم قضية الفنان ولو على حساب التطلع الفني وتطوير أدواته، كما نلحظ غياب التقنيات الحديثة ومفاهيم اللوحة الجديدة سواء في طريقة العرض أو بالتقنيات المنفذة.
ويبقى الفنان عبد المعطي أبو زيد رئيس اتحاد الفنانين الفلسطينيين محافظاً على أسلوبه المعروف بألوانه النظيفة والمشرقة خاصة حين يرسم بلغة التأليف للمكان الفلسطيني الموجود في الحلم والذاكرة، يرسم ضمن تكوين معماري متراص ومشغول بحس قريب للزخرفة الشرقية والهندسية، ضمن عالم من الغنائية اللونية الممتعة، وحسبي أن لأعمال الفنان أبو زيد تأثير بالغ في جيل الشباب من الفنانين الفلسطينيين، وهو المعلم والمتابع للعديد منهم من خلال عمله النقابي في الاتحاد العام.
كما تحتل المرأة الفلسطينية الموقع المرموق في تصوير الزيتي سواء بقامتها وتعابير وجهها المقاومة والآسرة، فهي أم الشهداء وهي الأرض وحارسة الوجود الفلسطيني وحلمه، وأغلب الأعمال تدور حول هذه التيمة الأم وحول القدس ورموز المقاومة والهوية الفلسطينية التي جسدتها رسوم الأزياء الموشاة بالزخارف والرموز الشعبية الفلسطينية ومثال ذلك أعمال الفنانين إبراهيم مؤمنة – أسامة دياب – علي الكفري – محمود عبد الله – سلام الأحمد – ربى اللحام – ولينا نبهاني وغيرهم.
لقد أكد الفنان الفلسطيني حضوره على الساحة التشكيلية العربية والعالمية من خلال مشاركته كفاح شعبه، وانخراطه في ثورته منذ انطلاقتها الأولى في عام 1965 حيث حمل السلاح وانخرط في صفوف الفدائيين، ومنهم من سقط شهيداً، وهنا نستذكر الفنان الفلسطيني الشهيد عبد العزيز إبراهيم صاحب لوحة البرتقالة واليد الشهيرة، وقد تربع فن البوستر السياسي على المشهد التشكيلي الفلسطيني لأهمية هذا الفن الجماهيرية، ولمكانته الإعلامية في تعريف العالم بالقضية الفلسطينية العادلة.
حقا إن الفنون تملك من الأهمية ما هو خطير وأكثر فعلاً من الرصاص، وما يقدمه الفنان الفلسطيني اليوم ما هو إلا صورة مشرقة ومقاومة في عالم غير متوازن, لكنه سيغدو عادلا بثقافة الجمال والثبات على الحقوق.
أكسم طلاع